لم يكن من قبيل الصدفة ان تطلق الرصاصة الأولى في الحرب الأهلية في السودان، التي حذرنا منها قبل وقوعها بأكثر من شهر في الأيام القليلة التالية بعد الكشف لأول مرة عن بنود غير مسبوقة في معاهدة عسكرية غريبة جمعت تركيا بوابة الناتو على البحر الأسود وبين اثيوبيا الدولة التي ليس لها أي مواني على أي بحر، ولا نعلم ما هو المجال الحيوي الذي يجعل دولة مثل تركيا تقع بين أوروبا وآسيا وتنتمي لحلف الناتو ترتبط بمعاهدة دفاع مع دولة مثل اثيوبيا التي لا يوجد لها أي روابط مشتركة لا جغرافية ولا تاريخية ولا تقترب من المجال الحيوي لتركيا من قريب أو بعيد، وإن كانت الدهشة لدينا قد بدأت مع الإعلان عن توقيع الاتفاقية قبل نحو عام، لكن الدهشة كانت أكبر مع الكشف عن بنود غير مسبوقة في هذه المعاهدة من خلال مناقشة البرلمان التركي لهذه البنود بندا ببند، ثم كشف المعارضة التركية المقيمة في السويد لجوانب غير مسبوقة في هذه المعاهدة التي لا يمكن أن ننظر لها نظرة محايدة، خاصة وأن كل المؤشرات تقول إن هناك خيطا يربط التصديق على هذه المعاهدة في هذا الوقت وبين اندلاع الحرب الأهلية في السودان، خاصة وأن أثيوبيا تظهر كلاعب أساسي في هذ الحرب المؤسفة .
البند السادس الغامض وغير المسبوق في اتفاقية اديس أبابا وانقرة
ولعل أغرب بند يمكن أن يثير الحيرة والدهشة ويدفع كل من يستشعر خطورة هذه الاتفاقية التي وقعها وزير الدفاع التركي بنفسه خلوصي أكار هو البند السادس، وهو بند غريب في صياغته، ونجد من خلال قراءة هذا البند غير المسبوق أكثر من قنبلة موقوتة تدفعنا للشعور بالقلق والتخلي عن أي محاولة مصطنعة للحياد، وأن نضع يدنا على دوافع هذه الصياغة غير المسبوقة في أي معاهدة مشابهة بين بلدين، فمن المقبول ومن المعتاد أن تنص أي معاهدة على تبادل ( المعلومات الاستخباراتية ) والعبارة بين القوسين نكرر كتابتها حتي يتضح خطورة ما سيأتي بعدها ( المعلومات الاستخباراتية ) ، ومن المفهوم أن ( المعلومات الاستخباراتية ) هذه تشمل تبادل المعلومات بين أجهزة الامن في البلدين الطرفين في المعاهدة، ويمتد هذا التبادل من المعلومات حول المنظمات الإرهابية وجرائم غسيل الأموال والاتجار في البشر وحتى المخدرات وأحيانا تتبع المعارضين وفي قليل من الأحيان تسليم العناصر التي تري كل دولة انها تهدد أمنها القومي للدولة الأخرى، لكن الغريب أن المعاهدة بين اثيوبيا وبين تركيا لم تقتصر على العبارة بين القوسين ( المعلومات الاستخباراتية ) بل أضافت لها توصف من كلمة ثالثة جعلت الأمور كلها ملتبسة ومشكوك في نوايا من كتبها وفي أفعاله في المستقبل، فقد نصت المعاهدة بين تركيا وبين أثيوبيا على تبادل ( المعلومات الاستخباراتية العسكرية) والعبارة الجديدة بين القوسين ( المعلومات الاستخباراتية العسكرية) توشي بأن هناك في الصدور نوايا غير مسبوقة من جانب تركيا بشكل خاص تجاه الإقليم .
نشر قوات تركية على الأرض الأفريقية ومنح الأسلحة مجانا لأثيوبيا
إن تبادل ( المعلومات الاستخباراتية العسكرية) بين دولتين تعني بمنتهي البساطة تبادل المعلومات حول الجيوش المعادية لكل طرف، أن تزود أثيوبيا تركيا بمعلومات حول الجيوش المعادية لتركيا، وأن تزود تركيا أثيوبيا بمعلومات حول الجيوش المعادية لأثيوبيا، فهل توجد أى ( المعلومات الاستخباراتية العسكرية) لا تخص جيوش الدول الأعداء لكل طرف من أطراف هذه الاتفاقية الغريبة ؟! نحن لا نعرف الحقيقة أن لدى أثيوبيا أدوات للحصول على معلومات عسكرية ذات قيمة عن الجيوش المعادية لتركيا، ولا نتصور مثلا أن الجالية الأثيوبية الموجودة في لبنان أو سوريا أو اليونان، وغالبا ما يعمل أفرادها في وظائف خدم المنازل سوف تزود مخابرات بلادها بمعلومات حول منظمات الأكراد المعادين لتركيا في لبنان أو سوريا أو الجيش اليوناني الضعيف مقارنة بالجيش التركي الذي يعتبر ثالث قوة ضاربة داخل حلف الناتو بعد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وقبل فرنسا إذا استبعدنا أسلحة التدمير الشامل والأسلحة النووية غير القابلة للاستخدام، ولهذا يكون من المنطقي أن نفسهم من هذا البند الغريب أن المقصود به أن تركيا هي التي سوف تزود أثيوبيا بهذا البند الغريب غير المسبوق في أي معاهدة دفاعية بين بلدين، وهو( المعلومات الاستخباراتية العسكرية)، وهو ما يعني أن تركيا سوف تزود أثيوبيا بمعلومات عن الجيوش المعادية لأديس أبابا، فهل يشمل ذلك الجيش السوداني مثلا ؟ الحقيقة أنه في كل الأحوال فإنه حتى تتمكن تركيا من الوفاء بهذا البند فإنه لا مفر من نشر قوات تركية على الأرض في أفريقيا في مناطق التماس بين أثيوبيا أو البلدان التي تتوجه نحوها أثيوبيا بالعداء الظاهر والعلني، أما ما يتضمنه البند من تزويد تركيا لأثيوبيا بأسلحة وطائرات مسيرة بدون مقابل، فهذه هي غلطة الشاطر التي كشفت حقيقة نويا الشر التركية الأثيوبية المشتركة ، وهى النوايا التي سوف تتحول إلي أفعال على الأرض مع استمرار الحرب الأهلية في السودان وتدخل أثيوبيا فيها مستخدمة أسلحة تركية ومستندة ل( المعلومات الاستخباراتية العسكرية) سوف تحصل عليها أديس أبابا من أنقرة، فانتبهوا أيها السادة !