طارق متولي يكتب: لا احد يقف أمام التيار

طارق متولي
طارق متولي
كتب : أهل مصر

فى ثمانينيات القرن الماضى كنت استخدم مترو مصر الجديدة بحكم الدراسة وقد كان مواصلة راقية وجميلة كنت احب الجلوس بجوار النافذة للنظر إلى الخارج وكان جزء من الطريق نفق يمر تحت منطقة العباسية وكوبرى القبة فكنت اشاهد على حوائط هذا النفق جملة مكتوبة بالخط العريض ومكررة على طول الطريق وهى (من يسبح ضد التيار معى) ربما كانت عنوان تحت الجملة اسم عبد الرزاق نوفل صاحب الجملة أو الكتاب كانت هذه الجملة يعرفها جيدا كل رواد المترو .

تذكرت هذه الجملة وأنا أفكر فى أحوال المجتمع وما يحدث من سلبيات وتراجع فى القيم والأخلاق

منذ زمن رغم محاولات كثير من العلماء والمسؤولين لإصلاح المجتمع وزرع القيم ومحاربة الفساد بكل وسائل النصح والإرشاد والقوانين وغيرها من الوسائل المستمرة لكنها لا تغير شىء من الواقع حتى رجال الدين الذين يقومون بالوعظ وبيان الحلال من الحرام والخطأ من الصواب يستمع الناس لهم ثم لا يطبقون هذا الكلام فى الواقع .

اكتشفت أن هؤلاء مثل صاحب مقولة من يسبح ضد التيار معى يسبحون ضد التيار وهى فى الحقيقة سباحة لا طائل منها فلا أحد يستطيع السباحة ضد التيار. ربما يستطيع فرد أن يبتعد عن التيار ويأخذ جانبا حتى لا يجرفه لكن فى هذه الحالة أيضا سوف يبقى وحيدا منعزلا .

التيار العام فى المجتمعات هو التيار الغالب وهذا التيار يتشكل عبر سنوات ليست قليلة لانه يشمل عادات وتقاليد واسلوب حياة عادات فى الطعام والشراب واللباس والعلاقات الإنسانية وكل شىء يخص النشاط الإنسانى وكمثال مثلا عند دخول محلات الطعام السريع فى مصر للشركات الكبرى الأمريكية وكذلك المدارس الأجنبية كان الإقبال على هذا الوافد الجديد قليل جدا وكانت هذه المطاعم أو المدارس تتحمل خسائر مالية كبيرة فى البداية لكنها استمرت سنوات وسنوات فنشأت أجيال عليها وتغيرت عادات الناس فى الطعام وأصبح هذا النوع من الطعام مألوفا ومعروفا وأصبح هو التيار الغالب واندثرت عادات الطعام القديمة فى البيوت بل واندثرت اكلات قديمة وأصبحت من التراث .

لذا فأى محاولة للتغيير والإصلاح لابد أن يتوفر لها عدة عوامل حتى تحقق النجاح أهمها الإنتشار الكبير فى المجتمع بدون انتشار ستظل

محاولات محدودة غير معممة لا يعمل بها إلا القليل ثم الإستمرار فالأمر كما قلنا يحتاج إلى سنوات كثيرة تتحدد حسب ظروف كل مجتمع ورسوخ عاداته وجودة التغيير والإصلاح لأن اى تغيير لا يلقى قبول عام فى بدايته لكنه يحدث بالتدرج شيئا فشيئا والعامل الأهم هو مجموعة القوانين التى تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع والإتفاق على القيم والمبادئ أو ما يسمى الدستور الحاكم .

وعليه فإنه لا يجدى نفعا السباحة ضد التيار العام مهما حاولنا والافضل أن نبدا فى تصحيح مساره وشكله ولونه وكل مكوناته بما يحقق التقدم والرقى الإنسانى .

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً