على رصيف عادي من ارصفة شارع شامبليون تصطف كراسي بسيطة يجلس عليها شباب وشابات ينفث بعضهم دخان الشيشة وبعضهم يكتفي بأكواب القهوة والشاى مع الطاولة التي تتوزع على بعض الطاولات، تصطف كراسي وطاولات مقهى عم صالح أمام قصر شامبليون الذي يحمل اسم جان فرانسوا شامبليون، الذي اشتهر بأنه فك رموز الهيروغليفية المصرية، وبكونه أحد واضعي أسس علم المصرياتوبين وصول زبائن وانصراف بعضهم تقوم قهوة عم صالح بالدور التقليدي الذي قامت به المقاهي في كل تاريخ مصر الاجتماعي . وبين عشرات القادمين والمغادرين لمقهى عم صالح يوميا، وما يحتاج هؤلاء من طلبات يقوم به كل من يعمل في مقهى عام صالح بابتسامة لا تفارقهم، عم صالح في مظهره البسيط الذي يشبه كل مصري وهو يتتبع كل من يجلس على المقهى بعناية من لديه تصميم على رعاية الجميع، فيشعر كل من يراه او يتعامل معه أن أخ أو صديق .
تاريخ المقاهي المصرية منذ المماليك وحتى التاريخ الحديث
يرتبط المصريين بذكريات كثيرة مع المقاهي المنتشرة فى شوارع وميادين المحروسة، يستلهمون حكاويهم من جلساتها المتعددة، وتتنوع ثقافتهم باختلاف مرتاديها، لها طابعها المختلف وتاريخها الخاص، فهى شاهدة على أحداث سياسية وثقافية واجتماعية هامة فى تاريخ البلد، بخاصة في التاريخ الحديث، ومنذ انتشارها خلال القرن الثامن عشر، وأصبحت جزءًا ومكانًا شبه مألوف لدى المصريون وكأنها بيتهم الثاني.
( المقهي ) و (القهوة ) وأصل التسمية التاريخية والاجتماعية
ويمكن اعتبار أن دخول البن إلى مصر لأول مرة في نهاية عصر المماليك هى البداية الحقيقية لمجتمع المقاهي في مصر، وكانت المقهى في البداية مجرد مكان لشرب القهوة وتدخين النارجيلة، أما تفسير تسمية المصريين للمقهى بكلمة ( قهوة) ، وهو نفس اسم المشروب الذي يمثل المزاج الحلال لكثيرمن المصريين فهو أنه بينما كان الأثرياء من المصريين يملكون في منازلهم أدوات لتحميص وطحن القهوة، لم يكن في وسع المصريين العاديين اقتناء مثل هذه الادوات، فكان من الأسهل لهم التوجه للمقهى لشرب ( القهوة)، وهو الاسم الذي أصبح شائعا في مصر للمقاهي بخلاف دول أخرى تفرق بين ( المقهي )، وبين (القهوة ) . ولكن مع الوقت تحولت المقاهي إلى القيام بدور اقتصادي خاصة بعد ازدهار تجارة القطن وأصحبت المقاهي مكان لعقد الصفقات بين السماسرة والتجار .
قهوة عم صالح ورحلة العودة لشارع شامبليون
لا يعرف عم صالح ان قهوته كانت مثار الحديث المشترك بين اصدقاء زاملني بعضهم في رحلة أخيرة طفت خلالها بمقاهي في اربع عواصم ومدن، نشرب القهوة في أكواب من ورق، على مقاهي على فخامتها وعناية العاملين فيها بكل التفاصيل تفتقر للدفء العفوي الذي تذكرناه عن المقاهي المصرية ومنها مقهى عم صالح، وقبل أن نفترق اتفقنا على أن نلتقي على مقهى عم صالح عندما يعود كل منا للقاهرة، وكان الاتفاق على أن من يصل منا لمقهى عم صالح أن ينتظر الباقين هناك .