وائل الطوخي يكتب: «تروما التضخم».. عندما اغتالت «الصحافة الاقتصادية» نفسية محرريها (2-2)

وائل الطوخي
وائل الطوخي
كتب : _

في الجزء الأول من هذا المقال، تحدثنا عن التروما الاقتصادية، وكيف تحولت من خوف تقليدي ارتبط في أذهان الصحفيين الميدانيين، بالتعرض لمخاطر العنف البدني، إلى مخاوف من التعرض لأزمات نفسية مرتبطة بتلقي أخبار سلبية تجعل النظرة للمستقبل سوداء بامتياز.

أخلاقيات المهنة

وائل الطوخي يكتب: «تروما التضخم».. عندما اغتالت «الصحافة الاقتصادية» نفسية محرريها (1-2)

عندما نتحدث عن «تروما الصحافة الاقتصادية» وما يعانيه المحررون من أزمة نفسية في نقل وكتابة الأخبار السلبية التي تؤثر بشكل مباشر على حياتهم اليومية نجد أن قيمة الأخلاقيات تلوح في الأفق بشكل واضح فالمبادئ التوجيهية في التعامل مع حالات الصدمات النفسية تطالب بمراعاة الصحفيين لهوية الأشخاص 'مصادر المعلومات' وكونهم (مستضعفين) يظهرون في أخبارهم وفقا للدكتورة سالیان دونگان المتخصصة في إعداد تقارير صحفية عن الصدمات، مشددة على الأهمية القصوى لالتزام المعايير المهنية والأخلاقية الأمر نفسه يحتاجه الصحفي الاقتصادي الذي يعاني من صدمة نفسية عند أداء عمله فهو بالمثل (مستضعف) يحتاج لمن ينقل قصته بالتزام المعايير الأخلاقية.

الواجبات والحقوق الصحفية

ويُعرف إعلان مبادئ الاتحاد الدولي للصحفيين الخاصة بممارسة مهنة الصحافة «إعلان بوردو» واجبات الصحفيين وحقوقهم من حيث الأخلاقيات باعتبارها محاولة القيام بما هو صحيح في الظروف الصعبة حيث يضطلع الصحفيون بذلك عبر تطبيق القواعد ومراعاة واجباتهم ومسؤولياتهم والتفكير في نتائج أفعالهم، ومن خلال سعيهم ليكونوا أفضل على الصعيدين الشخصي والمهني ليلزمهم بمعايير مهنية حيث ينبغي للصحفيين إنشاء توازن بين المصلحة العامة في حرية التعبير وتوقعات الخصوصية المشروعة لدى الأشخاص.

الضحية هو الناجي

يقول «ريتشارد بيلتون» معد أفلام وثائقية (عن الصدمات النفسية): «إن مجرد الاستماع إلى أشخاص وهم يتكلمون عما وقع لهم يساعد بشدة على فهم فظاعة الحدث'، فتلك المقولة تعبر لك عن تأثير سرد المعاناة في نقل المعلومة ومن ثم ترك أثر نفسي داخل قلوب الصحفيين، فماذا يمكن تخيله عندما يكون الصحفي هو صاحب المعاناة؟ كيف يكون الضحية هو الناجي في نفس الوقت؟ من يحتوي أفكاره.. من يطمأن روحه.. من يدوّن مأساته؟

المحرر الاقتصادي ضحية

فإذا كانت تغطية أخبار الحروب ومشاهدة حوادث الموت أو الاعتداءات الجنسية أو الجسدية كذلك الخطف والكوارث الطبيعية وتحطم وسائل النقل والهجمات الإرهابية كلها قد تصيب الصحفيين بالصدمة النفسية عند التعرض لها وفقًا لما يقره دليل المحررين الصادر عن التحالف المعني بثقافة السلامة ومركز دراسات آسيا والمحيط الهادئ؛ فإن تغطية الصحفيين الاقتصاديين أخبارًا يفيد تأثيرها النفسي بأنهم أنفسهم سيكونون على موعد قريب مع الصراع من أجل البقاء تحتاج أن تكون على قائمة نفس الدليل السابق ولما لا فالطموحات المعيشية للصحفيين الاقتصاديين باتت رفيقة لعلاقة طردية مع أخبار نتائج اجتماع الاحتياطي الفيدرالي ومؤشر رفع سعر الفائدة الذي يدفع بالأفراد قبل المستثمرين إلى إيداع أموالهم بالبنوك والمصارف تارة والادخار بالذهب تارة أخرى بدلًا من دفعها بالأسواق لتتباطأ دورة رأسمال في الأنشطة والأعمال ومعها ترتفع تكلفة الإقراض على المنتجين وتزداد فاتورة الإنتاج بما يؤدي إلى تضاعف أسعار السلع وما يحتاج إليه السوق من تحرير سعر الصرف هذه العملية المعلوماتية دورة تتكرر في المتوسط نحو 8 مرات سنويا فيتضاعف خلال كل مرة تصاعديًا الشعور بالخوف من مستقبل الاقتصاد الضبابي دون رؤية واضحة بدأته سياسة التشديد النقدي طيلة العامين الماضيين وغيّب التضخم ملامحه حتى أضحت الحياة العامة وفي مقدمتها حياة محرري الاقتصاد أسيرة التضخم العالمي.

المعرفة عبء

فالدورة المعلوماتية لكل اجتماع للـ'فيدرالي' الأمريكي وما ينتج عنه من تداعيات على الأسواق والسلع تجعل من المعرفة عبئا نفسيا يضغط على كاهل المحررين الاقتصاديين لأنهم يعلمون بطبيعة القرارات المالية وتأثيرها على حركة الأسواق ومستجدات معدلات التضخم تجعلهم يدفعون الضريبة المعرفية أو كما يطلق عليها بالإنجليزية 'أنك تعرف أكثر'، وهي تكلفة الشعور بمسؤولية أكبر تجاه المعلومات ومن الحدث نفسه لذلك فهم أكثر وعيًا بالأزمة وأكبر قدرة على رؤيتها وقد حدد علماء النفس تأثير ارتفاع المعرفة السلبية على النفس البشرية في زيادة الشعور بالضيق والقلق لأنه سيكون من الصعب التعامل مع المعلومات المحبطة ما يؤدي إلى الإحساس بالعجز التام وقرب الفشل، بالإضافة إلى ندرة من حولهم ليشاركوهم فهم الأزمة لذلك يتجهوا إلى العزلة التدريجية.

أهمية السلامة النفسية

تقول هانا ستورم مدير المعهد الدولي لسلامة الأخبار، مدافعة عن الصحة العقلية: «كانوا ضليعين بتزويد الصحفيين بسترات واقية تحميهم بدنيًا ولكن غالبًأ ما كان هناك غياب فادح لما أسميه سترة واقية للمشاعر والتحضير والأدوات العملية المطلوبة لمساعدة الصحفيين على فهم الطريقة التي يمكن لعملهم أن يؤثر بها على سلامتهم النفسية، مشيرة إلى أن معظم الصحفيين لديهم قدرة على التحمل ولكن تغطية الصدمات النفسية قد تستنزف عافيتهم العقلية الأمر الذي أكده تقرير اليونسكو 'سلامة الصحفيين عند تغطية الصدمات النفسية والمحن'، والذي لاحظ إمكانية تعرض الصحفيين بصورة غير مباشرة بما يُعدُّ صدمة نفسية ثانوية أو بالإنابة، وهي عبارة عن تعرض غير مباشر لأية واقعة سلبية وقد تؤثر هذه الأحداث على الصحفيين بصورة مماثلة لذلك تظهر ضرورة اعتناء الصحفيين بأنفسهم حيث يختلف الإجهاد الذهني عن الصدمة النفسية.

الإجهاد الذهني

عادةً ما يخوض الصحفيون مهامًا مختلفة تشمل تحديات متعددة ولكن عندما تتجاوز متطلبات حياتهم اليومية مواردهم الداخلية، يبدأ الإجهاد، فإذا كانت مستويات الإجهاد مرتفعة لديهم، يمكنها أن تستهلك قدرتهم على التحمل، فعوامل الإجهاد المزمنة والممتدة في المهنة والتي تتفاقم فتؤدي إلى استنزافهم

تقنيات الصفاء الذهني

لا يمكن تجاوز تأثيرات التضخم على صحة الصحفيين الاقتصاديين وما أوقعه بالنفس من تأثيرات تتخطى حدود الـ«تروما» دون منحهم الدعم الاجتماعي اللازم سواء من العائلة والأصدقاء فضلاً عن ممارسة الشعائر الدينية والرياضة والتمارين الذهنية، بالإضافة إلى دعم زملاء العمل والمنظمات الصحية والمجتمعية الراعية للعمل الصحفي لتخفيف آثار ما بعد الصدمة.

تقنيات الصفاء الذهني

ولعل ما يقوله جيريمي بووين، محرر قناة بي بي سي لمنطقة الشرق الأوسط الصحفي المتخصص في تغطية النزاعات والحروب: 'عندما تقضون سنوات في رؤية أفضل ما في البشرية وأسوأ ما فيها، فإنكم تدفعون في نهاية المطاف ثمناً ما، ولذلك يجب عليكم أن تعتنوا بصحتكم العقلية وتتعاملوا مع المشاكل التي تعترضكم، ويجب أن تتحدثوا دائمًا عما يخالجكم من مشاعر وتشاركوا تجاربكم مع زملائكم لا تدعوا الأمور تتراكم في داخلكم'، معبرًا عن ما يعانيه الصحفيون الاقتصاديون عند تغطية أخبار التضخم وهبوط مستوى المعيشة على مدار عامين متتاليين مع غموض مستقبل الاقتصاد وتأثير تلقي هذه الأخبار على صحتهم النفسية خاصة عندما يختفي الخط الفاصل بين حدود الحياة المهنية والشخصية فلا بد من الانتباه إلى طلب المساعدة والمساندة الاجتماعية من الزملاء والمديرين والأصدقاء لرفع القدرة على التحمل وتخطي أي مظاهر للصدمة النفسية.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً