اعلان

محمد مختار يكتب عن مصر التي لا يعرفها .. كيف تغيرت أخلاق المصريين للأسوأ ؟ !

سقى الماء في الحضارة الفرعونية
سقى الماء في الحضارة الفرعونية

بين كل تغريبة أو سفر كنت أعود لمصر وأجد شيئا أخرى قد تغير فيها، مرات أجد أشياء صغيرة تغيرت، ومرات أجد ما تغير شيئا كبيرا سواء كان معنويا أو ماديا، لم أكن استغرق في التفاصيل لأني كنت أعرف أني سوف أغادر مجددا، إلى أن حدث ما جعلني أقرر البقاء في بلادي التي لا أعرف لي وطنا غيره، ولكن هالني لسوء الحظ أني وجدت نفسي مضطرا للتكيف مع مصر أخرى لا أعرفها، مصر ليست هى التي نشأت طفلا في شوارعها وحواريها وأزقتها، مصر يغلب على طباع الناس فيها القسوة والعنف وأحيانا التساهل في قبول فكرة إرقة الدم في مشاجرة أو حتي بين أفراد الأسرة الواحدة وبين الزوج وزوجته .

كان النادل يأتينا بأكواب لا تنتهي من الماء المثلج بمجرد أن يرى أن في يد أحدنا كيسا من الطعام

كنا نتعجب في خارج مصر من أن من يدخل مطعم أو مقهى مضطر لشراء الماء كمشروب إجباري مع كل مشروب يطلبه، نتباهي على من نقابله في دول ثرية من أن أى إنسان في مصر يدخل مطعم أو مقهى في أى وقت ليشرب كوب وأكواب من الماء المثلج بدون أن يضطر لدفع أى شئ، وإن جلسنا على مقهي يأتي لنا النادل بأكواب لا تنتهي من الماء المثلج بمجرد أن يرى أن في يد أحدنا كيسا من الطعام، كان الإفطار المفضل لنا أن نشتري ساندوتشات ونجلس على مقهى ليأتي لنا النادل بأكواب الماء المثلج، أكواب وليس كوبا واحدا حتى لو كان الجالس شخصا واحدا يأكل بمفرده، كانت فكرة سقى الماء جزء أساسي من مكونات الشخصية المصرية ودلالة على الكرم والشهامة، لقد حالفني الحظ وأنا طفل لأن أرى السقا وأشرب من قربته الجلدية، كان رجلا عجوز يطوف على الناس يسقيهم ولا يطلب المال، ومن يشرب إن دفع له قروشا يأخذها بلا اعتراض ومن لا يدفع يسقيه كوبا وكوبين وثلاثة، كلما طلب الطالب من السقا كوبا من الماء المبرد المخلوط بماء الورد يعطيه وليس ضروريا أن يدفع من يشرب لقاء الماء.

السقاالسقا

سقى الماء قيمة عرفها المصري القديم حتي من قبل الأديان

سقى الماء كانت قيمة أساسية من قيم الشعب المصري، وهى قيمة عرفها المصري القديم حتي من قبل الأديان، ففي 'كتاب الموتى' المصري القديم، يواجه الموتى اختبارًا يُسمّى 'الميزان'، حيث تُوزن أفعالهم في الحياة. وكان سقي العطشان من بين الأعمال الصالحة التي تُرجّح الميزان لصالح المتوفى، وتُصوّر العديد من الرسوم الجدارية في مصر القديمة مشاهد لسقي العطشان، غالبًا ما تكون مرتبطة بِالملوك أو كبار الشخصيات. وتُؤكّد العديد من النصوص الدينية المصرية القديمة على أهمية سقي العطشان، مثل 'كتاب الموتى' و'تعاليم آني'، كما كان سقي العطشان جزءًا من بعض طقوس العبادة المصرية القديمة، مثل 'عيد رع'. لكن هالني وأنا استجيب لدعوة كريمة على الإفطار في رمضان من الكاتب والمفكر الإسلامي الكبير محمد إبراهيم مبروك أنه طلب من النادل بعد أن فطرنا وجلسنا في مقهى ماء بخلاف زجاجة الماء المعدنية المدفوعة التي لم تروي عطشه بعد يوم صيام، فأجاب النادل إجابة تخلو من كل ذوق، بعدم وجود ماء لأن (الماء مقطوع ) وهو كذب صريح غادرنا المقهى فورا بعد أن تأكدنا من كذبه .

سقى الماء في الحضارة الفرعونيةسقى الماء في الحضارة الفرعونية

مصر التي رجعت لها ولا أعرفها قاسية لا رحمة فيها لصغير ولا توقير لكبير

مصر التي رجعت لها ولا أعرفها هى مصر غريبة أرى فيها شبابا في عمر العمل يبدأون يومهم في وقت متأخر بعد الساعة العاشرة، وكل ما يقومون به هو توزيع المخدرات على المقاهي وعلى نواصي الشوارع والحارات، وأصبح معروفا حتى كل ذي عينين أن الشباب الذين يعملون في توزيع المخدرات ويطلق كل شخصهم منهم على نفسه اسم غريب هو ( ديلر ) ينطقه وكأنه يفتخر بعمله الوضيع، هم معروفين بالأسم ومكان جلوسهم وحتى بأرقام هواتفهم لجميع من يهمه شأن مكافحة المخدرات سواء أفرادا أو جهات .

الجفاء في

العلاقات بين الناس والبذاءة أصبحت على كل لسان

لكن أسوأ ما وجدته في مصر التي رجعت لها ولا أعرفها هو الجفاء في العلاقات بين الناس، والبذاءة التي أصبحت على كل لسان وفي كل مكان، روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الشريف ( إِيَّاكُمْ والفُحْشَ والتَّفَحُّشَ ، فإنَّ اللهَ لا يحبُّ الفَاحِشَ والمتفحش ، وإِيَّاكُمْ والظُّلْمَ ؛ فإنَّهُ هو الظُّلُماتُ يومَ القيامةِ ، وإِيَّاكُمْ والشُّحَّ ، فإنَّهُ دعا من كان قبلَكُمْ فَسَفَكُوا دِماءَهُمْ ، ودعا مَنْ كان قبلَكُمْ فَقَطَّعُوا أَرْحامَهُمْ ، ودعا مَنْ كان قبلَكُمْ فَاسْتَحَلُّوا حُرُماتِهمْ )، والحديث صحيح (صحيح الترغيب | الصفحة أو الرقم : 2603 )، وكأن النبى صلى الله عليه وسلم أو كما قال، عندما افتتح حديثه النبوى الشريف بالنهى عن فاحش الكلام بقوله عليه الصلاة والسلام ( إِيَّاكُمْ والفُحْشَ والتَّفَحُّشَ ) قد لفت إلى أن الفحش في الكلام يتبعه الظلم ثم الشح ثم سفك الدماء ثم قطع الأرحام وبعد كل ذلك أن يستحل المجتمع الحرمات .

فاحش الكلام أصبح على كل لسان الكلمات البذيئة جزء من ثقافة ولغة الشارع

كنا في مصر التي أعرفها نصطدم بفحش الكلام على لسان شرار الناس وبعض العوام، وحتى شرار الناس كانوا يتجنبون التفحش في مكان يجلس فيه النساء، لكن مع الأسف فإن في مصر التي لا أعرفها فإن فاحش الكلام أصبح على كل لسان، ولا يتواني الشباب حتى من بين طلاب الجامعات في استخدام فواحش الكلام بينهم وبين بعض، وأصبحت الكلمات البذيئة جزء من ثقافة ولغة جيل كامل تجرح سمعنا في الطريق وفي المواصلات على مسمع كبار السن والنساء، ولقد هالني أني مع الأسف سمعت بعض من ينتسبون لبعض صالات التحرير في بعض الصحف يتداولون فواحش الكلام في الحديث بينهم وبين بعض بينما تجلس زميلات لهم في نفس صالة التحرير.

حالات الانحراف على كل شاكلة وفساد الذمم والخلق القاسم المشترك بين كل الطبقات

الحقيقة إني أجد نفسي الآن في مأزق ليس له كاشف إلا الله سبحانه وتعالى، فالمعطيات تقول إن مصر التي أعرفها لن تعود،وليس أمامي ما يوحي أني سوف اكون قادرا على مغادرة بلادي في قادم الأيام إلا أن يشاء الله وكان أمر الله مفعولا، وعلى الآن أن اتعايش في مصر أخرى لا أعرفها، مصر تشبه بعض ما رأيته خلال أسفاري في بعض بلاد شمال أفريقيا، وهى بلاد لا يمكن أن تقارن حضارتها وعراقة شعبها بمصر، مصر التي لا أعرفها يجب لم يعد فيها نادل المقهى هو الشخص الودود الذي يهرع لجلب أكواب الماء لمن يجلس من زبائنه ويرحب بالمارة في الشارع الذي يدخلون لشرب الماء بلا مقابل وبدون أن يطلبوا مشروبات أساسية من المقهى، مصر التي لا أعرفها يقتل فيها الزوج زوجته وأطفاله وتخون فيه الزوجة زوجها مع عشيق لها ثم تتفق على قتله، ويكثر فيها حالات الانحراف على كل شاكلة وأصبح فساد الذمم والخلق فيها هو القاسم المشترك بين كل الطبقات.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً