اعلان

محمد مختار يكتب عن أطفال لا يأكلون الشيكوتة : من أجل زيكو .. أجمل رحلة في سيارة الموتى

من أجل زيكو
من أجل زيكو

على مقهى في حي الكوم الأخضر في فيصل لفت نظري شاشة المقهى وهي تعرض فيلم ( من أجل زيكو)، نظرت على الشاشة فوجدت وجوها تشبه وجوه من يجلسون حولي على مقاعد المقهى ، ومشاهد من حواري تشبه حواري فيصل، كان أول ما لفت نظري في الفيلم هو مشهد بطلته منة شلبي (صفاء) التي تظهر بدون مكياج تقريبا وهي تقوم بدور امرأة مطحونة تعمل في طبخ الطعام لزبائن عددهم محدود على أمل الحصول على دخل يساعدها هى وأسرتها فقط للبقاء على قيد الحياة، في بداية الفيلم يظهر أحد أبطاله، ولا أقول بطله، لأن تقديري أن كل من شارك في الفيلم حتى في مشاهد قصيرة هم كلهم أبطال، ونشاهد كريم محمود عبدالعزيز; (فتحي) يعمل في مهنة غير متوقعة وهى سائق عربة موتى، وكما كانت المهنة غير متوقعة كان المشهد الافتتاحي غير متوقع ، المشهد الذي يظهر فيه سليمان عيد ( فوزي)، وهو يقوم بدور شخص يحاول أن يحقق حلمه بأن يكون ممثلا على تطبيق التوك توك، ويرفض ( فوزي) أن يتخلى عن حلمه حتى ولو على سبيل إرضاء من يظهر بأنه صاحب العمل عندما يطالبه بأن يغني فيقرر ( فوزي) في إصرار على أنه ممثلا وليس مغنيا .

من أجل زيكومن أجل زيكو

دراما الزهايمر والفقر والمشاجرات النسائية في الأحياء الشعبية

وفي تتر الفيلم ينقل (فتحي) عددا من الموتى ومع نهاية تتر الفيلم يصل للحارة ليقابل شقيقه، محمود حافظ ( عصام )، وهو يشاهد سعيدا مشاجرة نسائية على أمل أن يرى لحم النساء يتكشف عندما يمزقن ملابس بعضهن البعض، ولكنه يفاجئ بأن (صفاء) طرفا فيها، ومن الحارة للبيت تشتبك (صفاء) مع محمد محمود; (الجد خميس) الذي يظهر أنه مريضا بالزهايمر، وأنه تزوج أكثر من مرة، وخلال دقائق تظهر ذروة مؤقتة عندما تطلب (صفاء) الطلاق من زوجها التي لا تكرهه لكن بسبب الفقر وبسبب خوفها من أن يكرر (فتحي) ما فعله (الجد خميس) ويتزوج عليها، ويتفقا على الطلاق في اليوم التالي ، ولكنها ذروة تظهر وتختفي في صباح اليوم التالي مع ظهور ذورة درامية جديدة سوف تستمر لنهاية الفيلم .

أجمل رحلة في سيارة الموتى ظهرت على شاشة السينما المصرية

ومع استلام خطاب بالخطأ لترشيح الابن يوسف صلاح (زيكو) لمسابقة للأطفال العباقرة، وفي الحارة تظهر (صفاء) وهى تصطحب المأذون القادم لطلاقها لتعرف من المذيعة أن ابنها يفترض أنه من أذكى 3 أطفال في مصر، فتصرف المأذون وتبدأ رحلة البحث عن خطاب الترشيح ثم السفر لسيوة مقر المسابقة ونفاجئ بأن (فتحي) لا يملك حتى ثمن تكاليف السفر وبعد أن يفشل في اقتراض تكاليف السفر يقرر أن يسافر بسيارة الموتى حتى وإن اضطرا لسرقة السيارة بدون موافقة صاحبها، لتبدأ أجمل رحلة شاهدتها في عمري على شاشة السينما المصرية .

الأسر المصرية الفقيرة تحرم نفسها من الطعام في أول أيام بدء الدراسة

ومن خلال الصراع الذي لا يتوقف في كل تفصيلة من تفاصيل الرحلة تظهر قيمة يتميز بها إلا المصريون الذين أثبتوا أنهم بخلاف كل الشعوب التي تمر بظروف اقتصادية مريرة، مثل الظروف التي يمر بها ملايين المصريين في الفترة الأخيرة، إلا أن قيمة العلم والتعليم تظل عندهم أولوية حتى قبل الطعام، ففي كل شعوب الأرض يكون الطعام مقدما على التعليم، إلا عند الأسر المصرية الفقيرة في الأحياء الشعبية التي تحرم نفسها من الطعام في أول أيام بدء الدراسة من كل عام لتشتري بثمن الطعام كراسات ودفاتر بداية الدراسة لأطفالها على أمل أن ينجيهم التعليم من مصير الفقر المحتوي، وهو ما تؤكده (صفاء) في كل مشاجراتها مع (فتحي) التي لا تنتهي طوال الطريق، ويتخيل للزوجين في فترة صفاء نادرة أن ابنهما لم يفز بجائزة المسابقة فقط، بل أن أصبح مثل زويل وحصل على جائزة نوبل مثل زويل الذي تردد اسمه أكثر من مرة على لسان الفقراء .

من أجل زيكومن أجل زيكو

ملايين الأطفال في مصر لا يأكلون الشيكولاتة ولن يأكلوها إلا بالسرقة

وداخل سوبر ماركت ملحق ببنزينة على الطريقة يعرض الفيلم بعبقرية للصراع الاجتماعي والفروق الاجتماعية التي تشق صفوف المصريين عندما يظهر طفل آخر وأمه التي تتحدث باللغة الإنجليزية وعندما تتحدث باللغة العربية تغلب لدغة تبدو مصطنعة على حديث الأم الغنية التي تتعالى على (فتحي) و (صفاء) و(زيكو)، ويبدوا مظهر حرمان (زيكو) من قطعة الشيكولاتة مشهدا كاويا كسكين يخترق الصدور بعد أن نفيق من الضحك على مشهد (زيكو) الطفل الصغير الذي يتنازل عن قطعة الشيكولاتة ويختار حلوى أرخص في السعر ليخبرنا الفيلم أن ملايين الأطفال في مصر لا يأكلون الشيكولاتة لأن أسرهم ببساطة لا تملك ثمن شراء الشيكولاتة لهم ، ولكن المخاوف التي يبثها الفيلم في نفوس من يشاهده هو أنه عندما تعجز أسرة عن شراء الشيكولاتة لأطفالها، فقد تلجأ لسرقتها كما فعل ( عصام ) الذي سرق حلوى وشيكولاتة وكان حجته أن الطفل (زيكو)، يريدها، وقد تكون سرقة الشيكولاتة خوفا رمزيا لأن الخوف الحقيقي هو أن يضطر الفقراء لسرقة الطعام، وليس الشيكولاتة لأطفالهم، إن عجزوا عن شراء الطعام كما عجزوا عن شراء الشيكولاتة .

الفقراء يسرقون الطعام صراحة وليس رمزا في إنذار جديد لما هو قادم

وبين مشاهد الفيلم تظهر مفارقات ويظهر ضيوف الفيلم الذي يؤدون مشاهد سريعة ولها دلالة، لا تتوقف مشاجرات (فتحي) و (صفاء) ويظهر حب الزوج الكبير لزوجته، ويظهر أن (صفاء) نفسها اختلست ثمن الطعام من سيدة تطبخ لها، وهنا يقرر ( عصام ) أنه ليس بمفرده الذي يسرق، وفي الطريق تتأكد الهوة العميقة التي تقسم المجتمع، فبعد ليلة في مخيم للباحثين، يدخل عندما (فتحي) و (صفاء) و( عصام ) لحفلة تنكرية ليمارس ( عصام ) محاولاته الفاشلة في السرقة ويبحث (فتحي) و (صفاء) عن كيس أسود لسرقة بعض الطعام، وهنا يسرق الفقراء الطعام صراحة وليس رمزا في إنذار جديد لما هو قادم إذا استمرت موجات الفقر تبتلع ملايين المصريين، ولكن المفاجأة المؤلمة الأخرى هي أن (فتحي) و (صفاء) يفوزان بجائزة أفضل تنكر ظنا من أن منظم الحفلة التنكرية أن الزوجين البائسين تنكرا في زي الفقراء .

الطفل زيكو يخطف الحاضرين بأغنية ( الغزالة رايقة ) والحلم المستحيل

وحتى عندما يظهر الخطأ وتتأكد الأسرة أن ابنها (زيكو)، ليس هو المقصود بالخطاب الذي وصل لهم عن طريق الخطأ تصر الأسرة على استكمال الرحلة بمتاعبها، حتى مع تعرضها لقطع الطريق وفي مشهد عبقري قصير لم يكتمل يقول ( الجد خميس ) لقاطع الطريق عمرو عبد الجليل ما يقنع قطاع الطريق بألا يسرق عربة الموتى ، وفي مقر المسابقة تتوسل (صفاء) لإسعاد يونس التي ظهرت باسمها كضيفة شرف لتسمح بمشاركة (زيكو) في المسابقة حتي وهو غير مؤهل لها، فقط على أمل أن يتحقق الحلم المستحيل، وبين مقاعد المتفرجين تنفر نفس المرأة التي تتحدث بلدغة مصطنعة من رائحة (فتحي) و (صفاء)، ويعجز (زيكو) تماما عن الإجابة عن أى سؤال في المسابقة، بينما تحدث المفاجأة ويتحول ( زيكو ) إلى نجم الحفل عندما يخطف الحاضرين بأغنية ( الغزالة رايقة ) .

فيلم ( من أجل زيكو) لو كان فيلما أمريكيا لترشح لأكثر من جائزة أوسكار

قد يكون مقالي حول الفيلم متأخرا لأنني الحقيقة لم أشاهده إلا منذ أيام ، ولكن وجدت من واجبي أن أقرر أن كل من شارك في فيلم ( من أجل زيكو) قد أبدع في دوره، وبعيدا عن اتهامات بأن الفيلم منقول من فيلم Little Miss Sunshine ، وهى اتهامات انطباعة تتعلق بالشكل وليست موضوعية تتصل بالموضوع، فإن الفيلم استطاع من خلال مشاهد متباعدة أن يلفت النظر إلى وجود هوة عميقة تفصل بين طبقتين لشعب واحد، وهذه الهوة التي عبر عنها محمد محمود ( الجد خميس ) عندما وقف وسط الحضور في الحفلة ليقول جملة ( إحنا أسرة بائسة ) وهو وصف ينطبق على ملايين الأسر في طول مصر وعرضها، والمشهد الكاوي للقلوب عندما سرق محمود حافظ ( عصام ) الشيكولاتة من ( من أجل زيكو ) عندما اشتهى الطفل قطعة شيكولاتة ثم تنازل عن حمله البرئ في لحظات عندما سألته منة شلبي (صفاء) إن كان يعرف ماذا يمكن أن يشتريه ثمن قطعة الشيكولاتة لأسرتهم البائسة وللشعب البائس !

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً