ads

داليا عماد تكتب: حيّ على الجهاد.. الإفتاء: تقدموا الصفوف أولًا!

الكاتبة الصحفية داليا عماد
الكاتبة الصحفية داليا عماد

ما إن نقض المحتل الصهيوني عهده كالعادة، وعادت رحى الحرب تطحن عظام المستضعفين من أهلنا في فلسطين، وتناقلت وسائل الإعلام العربية والعالمية صورًا بشعة لمجازر تنتهك أبسط الحقوق الإنسانية، ولا تفرّق بين امرأة أو رجل، شيخ أو طفل، مدني أو مسلح، حتى شاهدت الشعوب أشلاء شعب أعزل تتناثر في الهواء جراء انفجارات ضخمة.

عندها انفجرت ضمائر شابة لم تهزمها بعد لغة السياسة ومقتضياتها وتوازناتها المقيتة، وأعربت ببراءة عن تعاطفها مع أحداث غزة المؤلمة، وأكدوا، كمسلمين وعرب، أنهم لا يستطيعون أن يروا تلك المجازر دون ردّ فعل يرضي ضميرهم المسلم.

لقد تربّى المسلمون على أن الجهاد فريضة، وأن القتال إذا فُرض علينا فأهلًا بالشهادة. عقيدة راسخة في نفس كل مسلم ومسلمة، ولعل معرفة الغرب واليهود برسوخ هذه العقيدة هو ما يفزعهم دائمًا من فكرة وحدة المسلمين واتفاقهم، لأنهم يدركون أن الجهاد هو الفريضة التي، إن استدعتها الظروف، فستجد الجميع ملبّيًا النداء.

أمام هذه الحماسة المشروعة، بل المحمودة، والتي إن دلّت على شيء فإنما تدلّ على أننا ما زلنا أمة شابة، تغلي دماء العروبة في عروقنا، وجد البعض منزلقًا آخر يهوي به إلى قاع الواقعية السياسية، فبدأت مواقع وكتّاب يتبارون في نفي استعدادنا للجهاد، بل تجاوزوا ذلك باتهام أصحاب الضمائر اليقظة والقلوب السليمة بأنهم ممن سيفرّون مع أول قرع لطبول الحرب، وأنهم يذعرون إذا انقطع عنهم التيار الكهربائي لساعات، واتهموهم بأنهم يباركون لأنفسهم حين يُعفى أحدهم من الخدمة العسكرية! اتهام فجّ وغليظ لشبابنا بالخنوع والضعف والتولي يوم الزحف.

قد يكون كل ما قيل سابقًا حال البعض بالفعل، لكن هذا يحدث لأن مصر دولة أمان، وهي في حالة سلم منذ حرب ٧٣، فلم يرَ الجيل الحالي من الشباب الحرب ولم يعاصرها، ولذلك يتصرف بسلوك طبيعي لأن وطنه في حالة سلم. ولكن، إن فُرض عليه الدفاع عن وطنه وأمته، فسوف يكون حاضرًا في أول الصفوف.

لم يدعُ أحدٌ إلى الحرب، فالجميع يعلم أن قرار الحرب هو قرار دولي، يُبنى على معطيات ومعلومات لا تتوافر للعامة، ولا يستطيع المواطنون العاديون تقدير حجم الخطورة أو دراسة أبعادها، لأن الأمر يتطلب دراسات دقيقة لا تقدر عليها إلا الأجهزة والجيوش.

ولكن، وبرغم ذلك، لا يليق بنا تصدير خطاب انهزامي، أو خطاب يصوّرنا في حالة ضعف وعدم قدرة على المواجهة، أو خطاب يهين شبابنا ويصورهم بأنهم تافهون متخاذلون لا يفقهون ما يقولون، ثم نمضي في الاستهزاء بهم ونرسم لهم خارطة طريق برًا وبحرًا للذهاب لنصرة إخوانهم في فلسطين!.

وما يزيد الأمر سوءً أن تتدخل دار الإفتاء في هذا الوقت الحرج ببيان أراه تخاذلًا أو دعوة للانهزامية، وهو أمر لا يصح أن يصدر عن دار الإفتاء المصرية، التي هي منارة العلم والدين والفتوى في بلد الأزهر الشريف.

فماذا تنتظرون بعد ذلك من العدو؟ العدو الذي يقرأ صحافتنا كما نقرأ نحن صحافتهم؟ نحن ببساطة نقول لهم إننا ضعفاء، متخاذلون، لا نقوى على حرب، وأن شبابنا، الذين تملأ الخوف قلوبكم منهم، هم شباب تافه لا يقدر على القتال، مدلل يسعى للهروب من الخدمة العسكرية!.

إذا كنتم لا تستطيعون استيعاب حماسة شباب مصر، فاصمتوا يرحمكم الله، ولا تخذلوهم.

أما أن تخرج مؤسساتنا الرسمية لتوضح لنا أنه يجب تصحيح المقاصد الشرعية للجهاد، وأن مقتضيات الفقه توجب التحذير من المغامرات غير المحسوبة بدعوى الجهاد، وتؤكد أن قرار الجهاد لا بد أن يسبقه استعداد عسكري! فيما يشير إلى أننا لسنا مستعدين عسكريًا! فهل هذا صحيح؟!.

وكيف سيحلل الإعلام الصهيوني هذا البيان المتخاذل، الذي يدعو في هذا الوقت لتصحيح المفاهيم الشرعية للجهاد، في وقت يُباد فيه أهل فلسطين؟ فما عساه أن يكون معنى هذا البيان إن لم يكن تخاذلًا عن دعم المسلمين المستضعفين، حتى بالعاطفة الإنسانية قبل الدينية؟

معناه أن هؤلاء علماؤهم قد أفتوا لهم بعدم الجاهزية والاستعداد للحرب، وألزموا الجميع الصمت الديني، فليطمئن الجميع، ولتستمر إبادة الشعب الفلسطيني حتى يُمحى دابره من الأرض، فلن ينصره أحد، ولن ينادي أحد مجددًا: حي على الجهاد!

لم يطلب أحد حربًا، ولكن استغلال حماسة الشباب لكسر قوة الدولة المصرية، والإشارة إلى عدم جاهزيتها، هو أمر خطير يجب أن يُراجع. ينبغي أن تكون صورة الدولة المصرية القوية حاضرة دومًا، لا تهتز، فليس من مصلحتنا أن نطمئن العدو الصهيوني بأننا غير جاهزين للحرب في أي وقت، وأن علماء الدين لدينا جاهزون دائمًا لتبرير ذلك، وأن شبابنا ضعيف.

أحيانًا يكون الصمت أفضل وأقوى، خاصة إذا كان يمس هيبة الدولة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
الخارجية السورية تسحب سفيريها لدى روسيا والسعودية