ads
ads

محمد مختار يكتب الأمل في زمن الخوف ... مسرح إيهاب سالم وشبابه الرائعون : جيل واقعي يطلب المستحيل و يؤمن بأن أحلامه لا تقبل القسمة على واحد

محمد مختار
محمد مختار

في زمنٍ أصبحت فيه عملية الإنتاج المسرحي أسيرة تتوارى خلف الأزمات المالية وتحديات السوق، يخرج علينا المخرج إيهاب سالم بعملٍ استعراضيٍّ جريء يحمل عنوان 'الاستعراض الأخير'، ليعيد للخشبة نبضها المفقود، ويمنح الجمهور طاقة بصرية ووجدانية تُذكِّرنا بما كانت عليه عروض الأوبريت الكلاسيكية في أزهى عصور المسرح المصري. العرض سيُقدَّم على مسرح نهاد صليحة، وهو من إنتاجٍ أكاديمي وشبابي في آنٍ واحد، يجمع بين الطموح الفني، والرهان على جيل جديد يؤمن بأن الفنّ علاج للنفس، وأن الرقص لغة الروح حين تعجز الكلمات. ولا يوجد كلمات للتعبير عن هذا الشباب الواقعي المشارك فهو جيل واقعي يطلب المستحيل و يؤمن بأن أحلامه للمجتمع كله وليس له فقط وليست أحلام أنانية فهى أحلام للجميع لا تقبل القسمة على واحد

الفكرة: الرقص كعلاج للنفس

تدور أحداث العرض في مدرسة رقص تضم مجموعة من الشباب، كلٌّ منهم جاء بدافعٍ مختلف: حلمٌ بالشهرة، أو رغبة في الهروب من واقعٍ مؤلم، أو بحثٌ عن الذات. ومع مرور الوقت، يكتشف المدرب – وهو شخصية محورية تُجسِّد رمزية الفنان المعالج – أن هؤلاء الراقصين ليسوا طلاباً عاديين، بل مرضى نفسيين يخضعون للعلاج من خلال الحركة والإيقاع والموسيقى.

الفكرة التي تبدو في ظاهرها بسيطة، تنطوي على مستوى رمزي عميق؛ فالعرض يطرح تساؤلاً جوهرياً: هل يمكن للفن أن يكون علاجاً حقيقياً؟ وهل يمكن للرقص أن يُعيد للإنسان توازنه المفقود بين الجسد والروح؟

من خلال مشاهد العرض المتتابعة، نشهد كيف يتحول التدريب اليومي إلى جلسات علاج جماعي، وكيف تصبح الموسيقى لغة بديلة للتعبير عن الألم، وكيف يتبدل الصراع الداخلي لكل شخصية من العتمة إلى النور عبر الاستعراضات الجماعية، التي تُظهر طاقة الشباب المبدعة والمكبوتة في آنٍ واحد.

الاستعراض الأخيرالاستعراض الأخير

إيهاب سالم.. مخرج يغامر ضد التيار

في زمن الإنتاج السهل والسوشيال ميديا السريعة، اختار المخرج إيهاب سالم طريقاً معاكساً: مغامرة فنية مكلفة، صعبة التنفيذ، ومليئة بالمخاطر. فالعمل الاستعراضي الراقص يحتاج إلى إمكانيات إنتاجية ضخمة، وإلى تدريب يومي صارم، وإلى حسٍّ بصري متكامل بين الإضاءة والموسيقى والملابس والحركة. ومع ذلك، يُصرّ سالم على أن المسرح يجب أن يستعيد مكانته كمنصة لتجريب الجمال، لا مجرد وسيلة للترفيه.

يصف سالم عمله بأنه 'أقرب إلى الأوبريت الحديث منه إلى المسرحية الكوميدية'، وهو توصيف دقيق؛ إذ أن العرض لا يعتمد على الحوار اللفظي بقدر ما يعتمد على اللغة الجسدية، والإيقاع الداخلي للممثلين، والانسجام بين الحركة والصوت. هذه الرؤية تجعل 'الاستعراض الأخير' عملاً صعب التصنيف، لكنه بالتأكيد عملٌ استثنائي في مناخٍ فني يعاني من الركود.

الظروف الإنتاجية: التحدي الحقيقي

وراء الأضواء، يقف فريق العمل متحدياً صعوبات الإنتاج في ظل موارد محدودة وتجهيزات بسيطة. المخرج وفريقه اختاروا العمل بروح الورشة الفنية، حيث يتعاون الجميع – من الممثل إلى المصمم – في بناء المشهد، وتحويل الصعوبات إلى طاقة خلاقة.

العرض، كما يروي بعض المشاركين، وُلد من الإصرار، لا من الترف الإنتاجي. كان الهدف منذ البداية هو إثبات أن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى ميزانيات خيالية، بل إلى إيمانٍ جماعي بفكرة.

من بين هؤلاء المشاركين مجموعة كبيرة من الشباب الذين يخوضون تجربتهم المسرحية الأولى، وقد أثبتوا التزامًا وانضباطًا لافتين في البروفات الطويلة، ما جعل العرض ثمرة تعاون جماعي حقيقي لا بطولة فردية.

أبطال العرض: جيل يؤمن بالحلم

يشارك في 'الاستعراض الأخير' عدد كبير من الوجوه الشابة التي تمثل طاقة جديدة في عالم المسرح:

أدهم إيهاب محمد، يوستينا چورچ فايق، طارق أحمد شوقي، فريدة سامح رجب، أحمد محمد فوزان، ملك يوسف شعبان، نهلة محمد مصطفى، هنا مصطفى سليم، آية عبد المنعم محمود، زكي جمال عبد العظيم، سوزان رضا أمين، سلمى هشام أحمد، زينب صلاح عبد العال، هبة الله بشار عبد الرحمن شحادة، ريهام صلاح عبد العال، كريم أشرف عبد الفتاح، صباح شاكر علي، عادل إسلام عادل، حمزة أحمد رضوان، حلا محمد حسين، حسين محمد حسين، يوسف عصام شهيب، زياد محمد عبد المولي، جونير هاني سيدهم، أحمد محمد مليجي، أحمد سعيد، بيرلا خالد محمد، يوسف منتصر أبو مسلم، محمد حامد مصطفى، أحمد رمضان صدقي، يسرا محمد أحمد، علاء الدين عصام عبد المنعم، سارة جمال علي، عمر سيد خضر، شروق عبد التواب عبد المنعم، آلاء فايز محمد، كريم رمضان سيد، فادي أنور إسحاق، نورهان محمد سيد، جاسمين أحمد علي، وشعيب عبد الله محمد.

هذا الكم الكبير من الأسماء لا يُمثّل ازدحاماً عشوائياً، بل يعكس فلسفة العرض نفسه القائمة على الجماعة، لا الفرد. فكل راقص في هذا العمل يؤدي دوراً يحمل دلالة، وكل حركة في التشكيل الجماعي تُكمل الأخرى. ومن هنا يتجلى المعنى الأعمق للعنوان: 'الاستعراض الأخير' ليس نهايةً، بل بداية جديدة لشكل من الأداء الجماعي الذي يُعيدنا إلى مفهوم الفرقة المسرحية بوصفها وحدة فنية وروحية واحدة.

الاستعراض والموسيقى: حوار بلا كلمات

أحد أبرز عناصر تميز العرض هو اعتماده على الاستعراض الراقص كلغة أساسية للحوار الدرامي. فبدلاً من الجمل الطويلة والحوارات التقليدية، يستخدم المخرج الرقص لتجسيد الصراع الداخلي والخارجي للشخصيات.

الرقص هنا ليس زينة، بل وسيلة للتعبير النفسي؛ فعندما ينهار أحد المرضى، نراه يعبّر عن انهياره برقصة حادة متكسّرة الإيقاع، وعندما يتعافى، يتحول حركته إلى انسيابٍ وتوازن. هذه اللغة الجسدية تجعل المتفرج شريكاً في الفهم، لا مجرد متلقٍّ سلبي.

أما الموسيقى المصاحبة، فقد صُممت لتكون جزءاً من العلاج النفسي ذاته، حيث تتدرج من الإيقاعات الحزينة والغامضة إلى الألحان المضيئة التي تُبشر بالشفاء. هذا التناغم بين الصوت والحركة يخلق تجربة حسّية شاملة، تجعل المشاهد يعيش داخل الحالة لا خارجها.

الرمز والواقع: الفن في مواجهة الألم

يُعد 'الاستعراض الأخير' مرآة للواقع النفسي والاجتماعي لجيلٍ كامل من الشباب. فكل شخصية في المدرسة تمثل شريحة من المجتمع: الموهوب الذي فقد ثقته بنفسه، الفتاة التي تبحث عن ذاتها، الشاب الذي يقاوم الاكتئاب، وآخر يهرب من ضغوط الأسرة والمجتمع. لكنّ الخلاص يأتي عبر الفن، لا عبر الهروب.

إنه عرض يطرح رؤية فلسفية: أن الجمال يمكن أن يكون سلاحاً في وجه الألم، وأن المسرح ليس مجرد مكانٍ للعرض، بل مساحة للشفاء الجماعي.

الختام: الأمل في زمن الخوف

في المشهد الأخير، يُقدّم الفريق عرضاً استعراضياً جامعاً، يبدو كأنه وداعٌ، لكنه في الحقيقة ولادة جديدة. فـ'الاستعراض الأخير' هو بداية وعي جديد بأن الفن لا يموت، وأن الأزمات – مهما اشتدت – لا تستطيع أن تُطفئ شعلة الإبداع في قلب الفنانين الحقيقيين.

بهذا المعنى، يصبح العرض شهادة على جيلٍ من المبدعين الشباب، قرر أن يُغامر في زمنٍ لا يحتفي بالمغامرة، وأن يُبدع في واقعٍ يُحاصر الإبداع.

إنها ليست مجرد مسرحية، بل بيان فني شجاع يقول إن الفن ما زال قادراً على أن يضمد جراحنا، ويُعيدنا إلى إنسانيتنا الأولى، حين كنا نرقص لننسى الألم، ونغني لنحيا.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
بث مباشر مباراة الزمالك وديكيداها الصومالي (6-0) في الكونفدرالية (لحظة بلحظة) | السادس سيف جعفر