تابعت باهتمام بالغ أزمة جريدة وموقع «البوابة نيوز»، ومن قبلها نفس الأزمة في جريدة الوفد، وسنتابع في الأيام المقبلة أزمات مشابهة في باقي الجرائد الورقية، فالنار أصبحت تحت الرماد، ومن سعى لنشر تلك الفتنة وتأجيجها داخل المؤسسات الصحفية، غاب عنه أنه سيكون المسؤول الأول ـ بعد غلقها وتسوية الأمور المالية فيها بالقانون عبر المحاكم ـ عن توفير عمل، وبدل بطالة للصحفيين المغلقة جرائدهم عبر نقابته.
لم أشعر بالذهول حين رأيت أعضاء نقابة الصحفيين يحرصون جميعًا على حضور تلك الاعتصامات، بل وهم أشد حرصًا على التقاط الصور التذكارية مع المعتصمين؟!
السادة أعضاء مجلس النقابة، «اتصورتوا خلاص، وأثبتم حضوركم.. إذن أبشركم بأن سجلات التاريخ ستكتب أنه في عهد نقابتكم اليسارية، أُغلقت المؤسسات الصحفية الخاصة المكافحة.. سيكتب التاريخ أن مجلسكم كان شاهدًا على إغلاق مؤسسات إعلامية وطنية، ولم يتضامن مع مشكلاتها أو يتحرك جديًا للإسهام في حلها، أو حتى تخفيف حدتها.. وأنكم اكتفيتم بالصور التذكارية مع المعتصمين أصحاب الأصوات الانتخابية، في الوقت الذي كان يُنتظر منكم باعتباركم أهل الحل والعقد، إيجاد حلول!
لن يقبل التاريخ منكم حجة أنكم مخوّلون بحقوق الصحفيين فقط، ولا شأن لكم بالمؤسسات، لأنه لا صحفي نقابي دون مؤسسة قائمة ومستقرة، ولا فرصة للصحفيين في الانضمام إلى نقابتكم الموقرة دون استيفاء شروط النقابة نفسها في المؤسسة، وهو ما تسمونه ب«بالتكويد»، فكيف إذن والوضع هكذا ترون أنفسكم غير مسؤولين؟!
وهنا أتساءل: "لما أنتم مش فارق معاكم المؤسسة، ليه عقد العمل بين المؤسسة والصحفي ثلاثي، وليه النقابة طرفه الثالث؟!".
في الحقيقة إنني كلما أشاهد تلك الصور التي تتصدر فيسبوك لأعضاء النقابة في مقرات الاعتصام ـ مرة في الوفد ومرة في البوابة نيوز ـ تعود بي الذاكرة إلى صراعات سابقة خاضتها المؤسسات الصحفية المفترى عليها الآن مع النقابة، حتى يحظى أبناؤها بحقهم في عضوية نقابتهم، وأجد نفسي أتساءل مرة أخرى: ماذا قدمت النقابة للصحفيين قبل حصولهم على العضوية، وقبل أن يصبح لهم صوت انتخابي؟
من الذي دفع الملايين ـ وفقًا للقانون ـ من أجل تأسيس الجورنال الورقي واستخراج رخصته، التي لن يجد الصحفيون طريقهم إلى النقابة إلا من خلالها؟ ومن الذي دفع مبالغ أخرى لا تحصى من أجل توفيق الأوضاع؟
أليس الملاك هم من فعلوا ذلك؟ وإذا كان ذلك ما تحملوه من أعباء مليونية على مدار سنوات لا يشهد لهم بأنهم كانوا السبب المباشر في دخول هؤلاء الصحفيين للنقابة، وتحولهم إلى أصوات تستفيدون منها في تصدر المشهد؟
وإذا كان دور المؤسسات ليس مهمًا بل وضروريًا فلماذا لا تستوعب قلوبكم الكبيرة الصحفيين المواقع الإلكترونية وتقبلون انضمامهم، دون الحاجة إلى إجبار المؤسسة على دفع مبالغ طائلة لإنشاء شركة مساهمة يكون لها الحق في إصدار ورقي، يُسمح للصحفيين من خلاله بالانضمام إلى النقابة.
واسمحوا لي ببعض الوقت لأعرض تجربتنا في أهل مصر مع النقابة التي تفعل ما تفعله اليوم باسم القانون، وبزعم الوقوف مع الصحفيين ضد مؤسستهم التي تستحل تعبهم وعرقهم وتأكل حقوقهم.. يا حرام!!
حصلنا في أهل مصر على التكويد في عهد الأستاذ عبد المحسن سلامة، وبعد عامين كاملين من انتظام الإصدار الورقي وفقًا للقانون، وتم دفع مقابل التكويد، وهو لمن لا يعرف مئات الآلاف من الجنيهات إلى النقابة واستلام الإيصال بالتكويد، ومكتوب فيه نصًا: «مقابل دخول جريدة أهل مصر نقابة الصحفيين»، ورغم ذلك تم إيقاف التكويد دون سند من القانون، في عهد النقيب السابق الأستاذ ضياء رشوان، وكان معظم أعضاء المجلس وقتها هم الموجودون حاليًا.
وفي هذه الرحلة الطويلة والممتدة لست سنوات من وقف الحال، وتعطيل القانون، تعرفنا على وجوه الجميع، وأتذكر أن كل عضو نقابله على حدة كان يقول لنا: «أنا واقف معاكم ومُتضامن معاكم ومع أحقية دخولكم النقابة، وموقفكم القانوني سليم، ثم يطلع القرار بالإجماع باستمرار وقف التكويد.. أمال مين اللي معانا؟!».
يا من تنادون بتفعيل القانون ماذا كان وقتها سندكم القانوني لوقف تكويد الجرائد ومنع الصحفيين من الحصول على حقهم في نقابتهم؟
هل كنتم تشعرون وقتها بما يشعر به صحفيون مكافحون يعملون بكل جد من خلال مؤسسة سعت منذ تأسيسها للالتزام بالقانون حتى يلحق أعضاؤها بجنة نقابتهم التي تمنح وتمنع كما تشاء دون حسيب؟
عشر سنوات حتى ينضم أول جيل من جريدة منتظمة الإصدار، وملتزمة بالقانون إلى نقابتهم.. عقد كامل حُرم فيه الصحفيون من نقابتهم دون سبب أو سند، فعن أي حق أو قانون تدافعون الآن، وبأي وجه؟!!
مع أي حق للصحفيين تقفون، بعد وقف حال ست سنوات؟ أين كنتم جميعًا والقانون يُنتهك داخل نقابتكم وكنتم شهودا على معاناة الجرائد عشر سنوات كاملة حتى هجرها معظم أبنائها، واختاروا صاغرين الدخول عبر البوابات الخلفية، والتي يعلمها الجميع، بمبالغ نقدية تتجاوز عشرات الآلاف من الجنيهات للجرائد التي تبيع العضوية.
أين كان تضامنكم مع الصحفيين وأمهاتهم يبعن مصوغاتهن حتى يدخل أبناؤهن النقابة من بابها الخلفي الواسع، بعدما يئسوا من تطبيق القانون؟!
أين كنتم ومجلسكم السابق يطلب من المؤسسات الصحفية فصل العاملين بها، وتقديم طلب للنقابة بترشيح 15 اسمًا من الزملاء النقابيين المتوقفة جرائدهم عن العمل، للانضمام إلى مؤسساتنا بدلًا من العاملين الحقيقيين المستحقين لأماكنهم، مقابل أن تفرجوا عن قرارات تكويدنا، وتفعّلونها في مساومة لا أجد لها وصفًا!
ألم يكن صحفيو أهل مصر، وباقي الجرائد المتوقف تكويدها، من وجهة نظركم وحسب ألفاظكم التي استخدمتموها نصًا وقتها، «أبناء غير شرعيين للنقابة، ولا يهمكم مصائرهم، فأنتم تهتمون فقط بمصير من يحمل كارنيه النقابة!
وهل الفرق بينكم وبينهم إلا فرصة حصلتم عليها وبخلتم بأن يحصل عليها من يستحقها بعدكم؟!
وبعد أن كافحت مؤسساتنا وناضلت ولم تتخل عن أبنائها حتى أصبحوا أبناءً شرعيين للنقابة معاهم الكارنيه، بماذا تعبثون اليوم؟!
أزمة الصحافة المصرية واضحة وجلية أمام الجميع ومن زمان، ليست أول مرة يكون هناك حد أدنى للمرتبات، ولا تطبقه المؤسسات الصحفية لعدم القدرة، والجميع يعلم ذلك.
كان الأجدر بكم الاجتماع مع رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير ومحاولة حل الأمر بشكل يضمن إرضاء الجميع، فأنتم أعضاء نقابة والمفروض متواصلين مع كل الوزارات، ومؤسسات الدولة مش عارفين تحلّوا أزمة؟ المفروض مين يحل؟!
كنت أتوقع من أعضاء المجلس، والذين من المفترض أن يكونوا هم أهل العقد والحل ضد غلق أي مؤسسة صحفية، أن يقابلوا وزير العمل ويطرحوا عليه الأزمة، ويتناقشوا معه أن تطبيق الحد الأدنى في القطاع الصحفي هو أمر مستحيل، ليس لأن ملاك الجرايد أكلة لحوم البشر ولا مصاصي دماء كما يعبّر عنهم البعض، ويحلوا للتيار اليساري دوما تصويرهم، ولكن لأن العمل الصحفي لا يدر دخلًا على أي مؤسسة يمكنها من دفع الحدود الدنيا للأجور، وأن سوق الإعلانات المغذي، لأي جريدة مصاب بشلل كامل نظرًا للوضع الاقتصادي، وأن الملاك يدفعون من جيوبهم الخاصة لاستمرار تلك المؤسسات، ولا مجال للضغط عليهم أكثر من ذلك.
العمل الصحفي هو عمل خدمي، وليس عملًا تجاريًا يدر دخلًا وربحًا، العمل الصحفي عبء على الملاك، العمل الصحفي تجربة كلها تحدي ودفع فلوس وتراخيص وطباعة وتوزيع في كل المراحل، مش نزهة ولا وجاهة اجتماعية كما يصورها البعض للمالك.
ولأن العمل الصحفي ليس ربحيًا، كان قرار الدولة بدعم المؤسسات الصحفية من خلال صرف بدل التدريب والتكنولوجيا لصحفي الجرائد الورقية فقط لحل أزمة المرتبات المتدنية، إذ فقد قامت الدولة بواجبها كاملًا في الدعم.
وهذا يقودني لسؤال مهم: لماذا يوفر كارنيه عضوية نقابة الصحفيين بدلًا ماديًا لا توفره أي نقابة أخرى؟!
أليس الجميع مواطنين لهم نفس الحقوق أمام الدستور والقانون؟ لماذا لا يحصل أعضاء باقي النقابات على بدل من وزارة المالية، مثل: أعضاء نقابة الصحفيين؟ الإجابة تكمن في أن الدولة فطنت أن العمل الصحفي عمل لا يدر دخلاً، فكان قرارها بدعم المؤسسات من خلال صرف البدل للصحفيين.
كنت أتمنى أن أرى نجاحًا في حل الأزمة، نجاحًا لا تكون نهايته إغلاق المؤسسات!
من أين يأتي المالك بالحد الأدنى للأجور؟! وكم من الأعوام يتحملها المالك للإنفاق على المؤسسة من جيبه الخاص؟
لن يستطيع أحد في المجال الصحفي توفير الحد الأدنى إذا استمر الوضع الاقتصادي الخانق في سوق الإعلانات كما هو الآن، ولا يخفى على أحد مديونية المؤسسات الصحفية الحكومية التي تدعمها الدولة هي الأخرى لتأثرها بالوضع، فكيف الحال مع مؤسسات خاصة لا يدعمها أحد؟
رسالة للزملاء الصحفيين الذين ذهبوا للتضامن مع زملائهم، أحب أن أبلغكم أنه لو رفعت الشركة المتحدة يدها عنكم لن تنالوا الحد الأدنى، يعني من الآخر إدارات مؤسساتكم مش هرقل ولا هيرو، ولا هم يملكون حلولًا سحرية، ولا هم قادرون على توفير إعلانات مليونية للإنفاق عليكم، ولا قادرون أن يأتوا بما لا تستطيع الإدارات الأخرى أن تأتي به، فكفاكم مزايدة، لأن مؤسساتكم تعرضت للغلق أكثر من مرة ولتخفيض المرتبات وللدمج وتقليص عدد العمالة، ولولا مدد الشركة المتحدة لانتهى كل شيء.
لذا فإن الحل ليس في التحريض على الاعتصام داخل المؤسسات، ولا في دعم الاعتصامات، لأنه إذا أغلقت مؤسستك أبوابها فلن تجد من ينفعك ولا يتضامن معك أو يقسم مرتبه معك، كما أن الحل ليس في التصوير داخل كل مؤسسة قبل إغلاقها، لإظهار أنك متضامن.
أخشى بعد كل ما أراه أن يكون الغلق هو الحل الوحيد في يد المالك بعد الضغط عليه وتحميله ما لا يطيق، لأنه لا يملك الاستمرار، وهنا الصحفي سيكون بلا عمل وتأمينه متوقف، وليس له مكان، فكل مؤسسة مكتفية بأولادها، والسوق الصحفية مليئة بالآلاف الذين أغلقت مؤسساتهم، وسيظل يبحث مع النقابة عن بدل بطالة.
لذا لو سمحت انزل بسقف طموحك على الأرض، وحاول مع إدارتك الوصول لحل عملي بدلًا من دفع جريدتك للإغلاق، لا سيما أن الظروف الاقتصادية تعصف بالجميع، وأنت كصحفي تعلم ذلك جيدًا، وبدلًا من التناحر لا بد من البحث عن حلول، وتذكر ما قدمه جورنالك لك، فأنت لست أفضل من صحفيي المواقع، الذي يضطر لدفع مئات الآلاف ـ من البوابة الخلفية ـ ليلتحق بالنقابة، ويظل يعمل عمره كاملًا داخل مؤسسة لا ينتمي لها ببلاش حتى تقبل دخوله النقابة من خلالها.
بلاش الكارنيه اللي في إيدك يقويك على مؤسستك اللي كانت سبب إنك تحصل عليه بعزة وكرامة مش بفلوس، تذكر أن مؤسستك اختارت الخيار المكلف ماديًا حتى تؤمن لك مستقبلك، وتساعدك في دخول النقابة والحصول على حلمك بشكل شرعي، وكان في إمكانها عدم فعل ذلك.
تذكر أن مؤسستك هي اللي وقفت معك في وقت أنت لم تكن مهمًا لدى أحد، وتذكر وتذكر وتذكر، فليس الأمس ببعيد.
تذكر كيف كنت تُطرد وأنت على باب النقابة وأنت صحفي محترم منذ سنوات، لأنك فقط لا تحمل الكارنيه، تذكر أن مؤسستك فقط هي التي دعمتك حتى صرت إلى ما صرت إليه اليوم، وأن من تستقوي بهم اليوم يدعمونك لصوتك الانتخابي، ولم يدعموك يومًا بدونه.
لا الصحفي المطالِب بتحسين وضعه المالي مخطئ، ولا المالك الذي أسس وأنفق الملايين ما بين تصاريح وتوفيق أوضاع وضرائب وطباعة وتوزيع وتأمينات، واختار الطريق الأصعب والأكثر كلفة حتى حصولك على البدل والكارنيه، مقصّر، لذا لا بد أن يكون هناك حلول، وأن يعلم الجميع أن غلق مؤسسة صحفية هو خسارة للمجتمع الصحفي كله.
على العقلاء وحكماء المجال الصحفي أن يدركوا أن صورة مصر لن تكون جيدة ومؤسساتها الصحفية تغلق الواحدة تلو الأخرى، وأن الدولة تدعم استمرار تلك المؤسسات الإعلامية، التي تؤدي دورًا وطنيًا من خلال إقرار بدل التدريب للصحفيين، فلا يجوز وضع الدولة في موضع يسيء إليها، وقد يُفهم بشكل خاطئ.
على الجميع أن يؤدوا أدوارهم دون اعتصامات أو تحريض ضد المؤسسات، وعلى النقابة أن تدرك أنه طالما المؤسسة الصحفية بخير فالصحفي بخير، فالجريدة هي السفينة التي لا يجوز ثقبها ثم نطالب بعد ذلك بعدم غرق صحفييها، وأن الأزمة ليست في الملاك، ولكن في الظرف الاقتصادي الخانق وغياب الإرادة الحقيقية للحل، وانتهاج ممارسات انتخابية لا نقابية.
لذا فعلى أعضاء المجلس الموقر إعلاء المصلحة العامة ونبذ الأغراض الانتخابية في هذا الظرف الحرج، لأن التاريخ لن يرحمكم، والصحفيين اللي النهاردة ملتفين حواليكم، ومستقويين بيكم على مؤسساتهم، بكره لما يصبحوا بلا عمل ولا تأمين، موقفهم هيتغير تجاهكم تمامًا.
تذكروا القاعدة الفقهية التي تقول إن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وفي غلق المؤسسات مفسدة عظيمة، وضياع حلم العشرات وإهدار أموال مواطنين مصريين كل ذنبهم أنهم شاركوا في حلم صحافة محترمة وطنية غير ممولة.
أعلم تمامًا العلم أني سأنال هجومًا شرسًا بعد هذا الرأي، لكني كعادتي في المواقف الصعبة، لا أخشى في الحق لومة لائم.
وأعلم أن نقابتي الكريمة ستنشغل برفع القضايا ضدي، لأني تجرأت وهاجمتهم، وهم المنادون بحرية الرأي والفكر، ومع ذلك لا يتسع صدرهم لمن يخالفهم الرأي.
لا أبغي إلا كلمة واحدة، أعلم أنه لن يجرؤ أحد على قولها لكم.. لن يرحمكم التاريخ يا نقابة تدعو أعضاءها للوقوف أمام مؤسساتهم، تارة بدعوى الحقوق وتارة بدعوى الحريات، حتى تضطر المؤسسات للإغلاق، وتوثق مراحل الإغلاق بصور تذكارية يرفع فيها الصحفيون علامات النصر أمام انهيار مؤسساتهم.