في مشهد يعكس تصعيدًا غير مسبوق في لهجة التطرف السياسي داخل إسرائيل، أطلق إيتمار بن غفير وزيرا للأمن القومي، وزعيم حزب "عوتسما يهوديت" اليميني المتشدد، تصريحات صادمة اليوم الأحد، دعا فيها علنًا إلى "فتح أبواب الجحيم" على قطاع غزة، في إشارة إلى استئناف آلة الحرب والدمار ضد أكثر من مليوني إنسان محاصر.
وفي تصريحات نقلتها وسائل إعلام عبرية، قال بن غفير إن "الوقت الحالي هو الأنسب لقطع المياه والكهرباء نهائيًا عن غزة"، زاعمًا أن سياسة الضغط الأقصى يجب أن تُعاد إلى الواجهة، رغم ما سببته هذه السياسات من كارثة إنسانية ومعاناة غير مسبوقة لسكان القطاع، منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023.
وأضاف بن غفير بصراحة فجة: "كان يجب على الحكومة الإسرائيلية تبني اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتخاذ خطوات أكثر صرامة تجاه حركة حماس"، منتقدًا ما اعتبره "تراخيًا حكوميًا مخجلًا" في مواجهة الفصائل الفلسطينية. واعتبر أن رفض الحكومة إصدار إنذار فوري لحماس بالإفراج عن المختطفين دون شروط هو "عار يلطخ كرامة الدولة"، بحسب وصفه.
دعوات للقتل الجماعي وشرعنة الحصار
تصريحات بن غفير، الذي يشغل منصبًا حساسًا في حكومة نتنياهو، تكشف مدى تغلغل الفكر العنصري والاستعلائي في بنية النظام الإسرائيلي الحاكم، حيث تُستخدم لغة "فتح الجحيم" و"القصاص الجماعي" لتبرير ممارسات تم تصنيفها من قبل منظمات حقوقية على أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
والمثير للقلق أن هذه التصريحات لم تعد مجرد شعارات انتخابية، بل تحولت إلى نهج فعلي في إدارة الحرب على غزة، حيث تشهد مناطق واسعة من القطاع قطعًا ممنهجًا للكهرباء والمياه، وقصفًا متواصلًا للأحياء السكنية، واستهدافًا مباشرًا للمستشفيات ومراكز الإغاثة.
تواطؤ حكومي وصمت دولي
الأخطر من تصريحات بن غفير هو أن الحكومة الإسرائيلية لا تتبرأ من هذه المواقف، بل تغض الطرف عنها، بل وتتبناها عمليًا على الأرض. فتزامنًا مع هذه التصريحات، تستمر قوات الاحتلال في فرض حصار خانق على غزة، وسط انهيار كامل للبنية التحتية، وانعدام الأمن الغذائي والمائي، وتفشي الأمراض والأوبئة بين النازحين.
وما يزيد من فداحة المشهد هو الصمت الدولي المطبق، بل وبعض محاولات "تبييض" وجه إسرائيل عبر الحديث عن "حقها في الدفاع عن نفسها"، في حين تُشنّ حرب مفتوحة على المدنيين باسم هذا الحق المزعوم.
عاصفة إدانة دولية لتصريحات بن غفير
في أول ردود الفعل على التصريحات التحريضية لوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، أدان وزير الخارجية الأردني بشدة ما وصفه بـ"التحريض العلني على الإبادة الجماعية"، مؤكدًا أن "الدعوة إلى فتح أبواب الجحيم وقطع المياه والكهرباء عن غزة لا يمكن أن تُفهم إلا كنداء مباشر لارتكاب جرائم ضد الإنسانية". وأضاف أن "مثل هذه التصريحات التي تصدر من مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية تتجاوز كل الخطوط الحمراء وتشكل تحديًا صارخًا للقانون الدولي والضمير الإنساني".
من جهتها، عبرت وزارة الخارجية المصرية عن استيائها الشديد، مشيرة إلى أن "الدعوات لفرض عقوبات جماعية على المدنيين في غزة، لا سيما من خلال قطع الخدمات الأساسية، تمثل سابقة خطيرة وانتهاكًا مباشرًا لاتفاقيات جنيف". وأكد المتحدث باسم الخارجية أن "مصر تتابع هذه التصريحات بقلق بالغ، وتؤكد ضرورة التزام جميع الأطراف بالضوابط الأخلاقية والإنسانية، وأن مثل هذه السياسات لا تجلب إلا مزيدًا من الكوارث والتوتر".
وفي موقف عربي جماعي، قال رئيس البرلمان العربي إن "تصريحات بن غفير تمثل جريمة مكتملة الأركان، وهي تكشف بوضوح نوايا الاحتلال في استخدام التجويع والعطش كسلاح ضد الأبرياء"، معتبرًا أن "الصمت الدولي إزاء هذا الخطاب العنصري والدموي يُعد تواطؤًا غير مباشر ويشجع على ارتكاب مزيد من الفظائع بحق الشعب الفلسطيني".
دوليًا، حذّر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان من أن "قطع المياه والكهرباء عن أكثر من مليوني إنسان يُعد عقابًا جماعيًا محظورًا بموجب القانون الدولي"، وأضاف: "مثل هذه الدعوات لا يمكن التعامل معها كتصريحات سياسية عابرة، بل يجب أن تُحاسب أمام المؤسسات الدولية، لأنها تؤسس لحالة من الإبادة التدريجية".
من جهتها، اعتبرت وزيرة الخارجية الألمانية أن "ما قاله الوزير الإسرائيلي بن غفير لا ينسجم مع أي قيم ديمقراطية، ويضع علامات استفهام جدية حول نوايا الحكومة الإسرائيلية تجاه السكان المدنيين في غزة". وأكدت أن "برلين لن تقف صامتة إزاء التحريض على ارتكاب جرائم جماعية، وأن حماية المدنيين يجب أن تكون أولوية مطلقة".
أما وزير الخارجية التركي، فصرّح بأن أنقرة "لن تتهاون في مواجهة هذه التهديدات الإسرائيلية العلنية، وسنرفع ملف تصريحات بن غفير إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لأنها تمثل تهديدًا سافرًا بحرب إبادة يجب أن يتوقف فورًا". وأكد أن تركيا "لن تسمح باستخدام سلاح الماء والكهرباء كوسيلة لتركيع شعب بأكمله، وسنواصل دعمنا الكامل للقضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية".