تتصادم مصالح المسلمين في بعض الأحيان مع ما قد يظهر من قيود في بعض نصوص الشريعة الاسلامية ، فالقيود التي يفرضها الشرع الشريف على بيع وشراء الخمور مثلا قد تتصادم مع مصالح بعض المجتمعات الإسلامية التي يقوم اقتصادها على السياحة، وبعض المصالح الاقتصادية تقوم على فكرة السندات التي يحصل بموجبها رجال الأعمال أو رجال الصناعة على تسهيلات مالية من البنوك أو الأفراد . فهل تكون الأولية للنصوص الشرعية أو للمصالح ؟ وما هى فكرة المصلحة في الإسلام ؟ وما هو رأى جمهور العلماء في ذلك ؟ حول هذه الأسئلة ذهب جمهور من العلماء لقول بأن المصلحة في الشريعة الإسلامية منضبطة ومحدودة من جميع أطرافها، بما لا يدع مثقال ذرة من مجال للاضطراب أو الغموض في فهمها، ومرتبة في أنواعها ترتيباً لا يترك أي مجال التناقض أو التداخل فيما بينها، ومتفرعة من أصل راسخ متين مستقر ثابت في قلب كل مؤمن صادق، ألا وهو العبودية لله عز وجل، أصل يتأسس على مبدأ من قوله عز وجل:(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين). غير أن الحقيقة هي أن تقدير ما به يكون الصلاح والفساد عائد إلى الشريعة نفسها، ولقد وضعت الشريعة الأسس العامة لهذه المصالح في بيان لا يلحقه أي نسخ أو تبديل، وأجملته في خمسة مقاصد هي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، طبقاًلهذا الترتيب فيما بينها. كما أرشدت إلى الأدلة والعلامات التفصيلية لها بما لا يقبل أي تأويل أو تغيير وهي أن لا تخالف جزئياتها نصوص الكتاب أو السنة أو القياس الصحيح.
كما ذهب جمهور العلماء إلى أن المصالح تنقسم وفقا للفقه الإسلامي إلى الضروريات أو الكليات، وهى المنصوص عليها في كل الأديان وتشمل الدين والنفس والعقل والنسل والعرض، وإلى الحاجيات وهى المصالح التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية، وتشمل ذلك العبادات والعادات والمعاملات والعقوبات، بالإضافة إلى التحسينيات، وهى المصالح التي تقتضيها المروءة ولا تقف الحياة بدونها ولكن يقتضيها سلوك الناس، مثل آداب الأكل والشرب ومنع بيع النجاسات والمنكرات، وعلى ذلك فإن مصلحة الدين أساس للمصالح الأخرى ومقدمة عليها، فيجب التضحية بما سواها مما قد يعارضها من المصالح الأخرى ابقاء لها وحفاظا عليها، وذلك على العكس مما رأيناه معتبرا لدى علماء الأخلاق والقانون، فهم إلى جانب كونهم لا يقيمون وزنا لأمر الآخرة والدين بحد ذاته، يستغلون ما قد يكون لدى عوام الناس من عقيدة أو فطرة دينية، للاستفادة منها في فرض أفكارهم الخاصة وما يروق لهم من المصالح الدنيوية
مراعاة الشريعة الأعراف الناس بشرط أن لاتجر عليهم مفسدة ولا تهدر لهم مصلحة، سواء كانت تلك الأعراف معدودة في الناس أو إلغائها ما تقتضيه مصالحهم وما يستدعي السبيل إلى سعادتهم و بذلك تكون أحكام الشريعة كلها قائمة على هذا الأساس