تعانى تركيا من أزمة اقتصادية عميقة وسياسة أعمق، فقد أصبحت محاصرة وعلى عداء واضح مع كل جيرانها، قواتها العسكرية الغازية في سوريا والعراق تهاجم وجنودها يقتلون، منضمة لمحور شر جديد في المنطقة قائم على دعم التنظيمات الإرهابية، تعادى دولا مؤثرة مثل مصر والسعودية والإمارات وتحاول التدخل فى شئونها الداخلية، ومحاولات للقرصنة على غاز شرق المتوسط.. مشهد مزدحم بالمنغصات التي تقلق أي دولة.
من يفهم أردوغان جيدا يدرك تماما أنه ببغائي الطابع، رجل يتحدث كثيرا لكنه على استعداد للتراجع فورا لتحقيق مصلحته الشخصية، وعلى استعداد لبيع أى شخص مهما كان قربه من أجل بقائه على كرسى الحكم، تخلص من مُنظر حزبه أحمد داوود أوغلو، ومن شريكه السابق عبد الله جول، ولم يتورع بالانقلاب على فتح الله جولن، وحركة الخدمة حتى يصل إلى سدة الحكم، لا يعرف الشرف فى الاتفاقيات السياسية التى يديرها بمنطق "اخطف غنيمة ثم تفاوض".
شعر أردوغان بالصدمة بعدما فشلت كل مخططاته لإشاعة الفوضى في المنطقة بدعوات التظاهر وتغيير الأنظمة وتمركز حلفائه الإخوان فى الحكم، عداؤه لثورة 30 يونيو أصيل ومتجذر، خسر حليفه السراج فى ليبيا بعدما حرقه باتفاقيات ترسيم الحدود البحرية المنعدمة، ثم تلاعب به فى أزمة مليشيات طرابلس وخروج التظاهرات للمطالبة برحيله، نفس الأمر يتكرر مع راشد الغنوشى فى تونس، بعدما تحول إلى عبء على مفردات الحياة السياسية التونسية.
وكانت صدمته الكبرى بتوقيع مصر لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان بشكل قانونى ورسمى ومعترف به دوليا، ليجد نفسه مهزوما وخاسرا، لم يفكر كثيرا وقرر أن يستكمل عرض التعرى الذى يقدمه منذ سنوات على مسرح الشرق الأوسط ويبحث عن الحل بالهرولة نحو مصر
يظن أردوغان أن مصر تشعر بالضيق من تحريض قنوات الإخوان، صور له عقله المريض أن حفنه من الخونة والمستأجرين سيكون لهم ثمن عند الدولة المصرية وأن مصر يمكن أن تتراجع فى مقابل تسليم هؤلاء، حتى إن المذيع الإخوانى محمد ناصر وجد نفسه يسأل أحد مستشاري أردوغان عن من سيدفع فاتورة تقاربكم مع مصر. صمت الضيف لكن الإجابة الصحيحة كانت منطبعة على عقل ناصر، وظهرت على ملامحه علامات الرعب، فهو يعلم أن فاتورة الخيانة مستحقة السداد في أي وقت، والخائن بلا قيمة لدى من يستأجره.
حاول ياسين أقطاى، أحد مسئولى ملف مصر لدى المخابرات التركية أن يعطى انطباعا زائفا بوجود تقارب بين مصر وتركيا بحديثه الإيجابى عن الجيش المصرى وإشارته لوجود لقاءات أمنية، وكأن قبول مصر بالجلوس تقارب، أو أن مصر تدير سياستها بوجهين، وألمح إلى أن تركيا يمكن أن تنظر فى تسليم المطلوبين رغم أن مصر لم تطلب، ظنا منه أن تركيا تحتفظ بما له قيمة توازى مصالح مصر.
مصر تدير سياستها الخارجية بتوازن، وهى لا تسعى لعداء مع أحد، سياسة شريفة فى زمن عز فيه الشرف، وبناء عليه لن تتقارب مع عديم الشرف، ربما تتواصل مع نظام آخر لا يحتفظ بإرهابيين ولا يدعم قنوات محرضة ويعتبرها كروتا للمقايضة بها مع دولة بحجم وثقل مصر.
وكان رد السفير سامح شكرى وزير الخارجية، على التصريحات التركية واضحا بأن سياسة مصر الخارجية لا تخضع للابتزاز وتبحث عن مصالحها فى شرق المتوسط بالطرق المشروعة، ولديها محددات واضحة لأمنها القومي، ولا يشغلها كثيرا الحديث السياسي الببغائى أو بيع أردوغان للخونة والمستأجرين الموجودين بحوذته، لأنها فى الأساس مسألة وقت ولا تتعجله مصر.