اعلان

محمود بسيوني يكتب: هرولة الأتراك ‏

الكاتب الصحفي محمود بسيوني ‏
الكاتب الصحفي محمود بسيوني ‏

تعانى تركيا من أزمة اقتصادية عميقة وسياسة أعمق، فقد أصبحت ‏محاصرة وعلى عداء واضح مع كل جيرانها، قواتها العسكرية الغازية ‏في سوريا والعراق تهاجم وجنودها يقتلون، منضمة لمحور شر جديد في ‏المنطقة قائم على دعم التنظيمات الإرهابية، تعادى دولا مؤثرة مثل مصر ‏والسعودية والإمارات وتحاول التدخل فى شئونها الداخلية، ومحاولات ‏للقرصنة على غاز شرق المتوسط.. مشهد مزدحم بالمنغصات التي تقلق ‏أي دولة.‏

من يفهم أردوغان جيدا يدرك تماما أنه ببغائي الطابع، رجل يتحدث كثيرا ‏لكنه على استعداد للتراجع فورا لتحقيق مصلحته الشخصية، وعلى ‏استعداد لبيع أى شخص مهما كان قربه من أجل بقائه على كرسى الحكم، ‏تخلص من مُنظر حزبه أحمد داوود أوغلو، ومن شريكه السابق عبد الله ‏جول، ولم يتورع بالانقلاب على فتح الله جولن، وحركة الخدمة حتى يصل ‏إلى سدة الحكم، لا يعرف الشرف فى الاتفاقيات السياسية التى يديرها ‏بمنطق "اخطف غنيمة ثم تفاوض".‏

شعر أردوغان بالصدمة بعدما فشلت كل مخططاته لإشاعة الفوضى في ‏المنطقة بدعوات التظاهر وتغيير الأنظمة وتمركز حلفائه الإخوان فى ‏الحكم، عداؤه لثورة 30 يونيو أصيل ومتجذر، خسر حليفه السراج فى ‏ليبيا بعدما حرقه باتفاقيات ترسيم الحدود البحرية المنعدمة، ثم تلاعب به فى ‏أزمة مليشيات طرابلس وخروج التظاهرات للمطالبة برحيله، نفس الأمر ‏يتكرر مع راشد الغنوشى فى تونس، بعدما تحول إلى عبء على مفردات ‏الحياة السياسية التونسية.‏

وكانت صدمته الكبرى بتوقيع مصر لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ‏اليونان بشكل قانونى ورسمى ومعترف به دوليا، ليجد نفسه مهزوما ‏وخاسرا، لم يفكر كثيرا وقرر أن يستكمل عرض التعرى الذى يقدمه منذ ‏سنوات على مسرح الشرق الأوسط ويبحث عن الحل بالهرولة نحو مصر ‏‏‏

يظن أردوغان أن مصر تشعر بالضيق من تحريض قنوات الإخوان، ‏صور له عقله المريض أن حفنه من الخونة والمستأجرين سيكون لهم ثمن ‏عند الدولة المصرية وأن مصر يمكن أن تتراجع فى مقابل تسليم هؤلاء، ‏حتى إن المذيع الإخوانى محمد ناصر وجد نفسه يسأل أحد مستشاري ‏أردوغان عن من سيدفع فاتورة تقاربكم مع مصر. صمت الضيف لكن ‏الإجابة الصحيحة كانت منطبعة على عقل ناصر، وظهرت على ملامحه ‏علامات الرعب، فهو يعلم أن فاتورة الخيانة مستحقة السداد في أي وقت، ‏والخائن بلا قيمة لدى من يستأجره.‏

حاول ياسين أقطاى، أحد مسئولى ملف مصر لدى المخابرات التركية أن ‏يعطى انطباعا زائفا بوجود تقارب بين مصر وتركيا بحديثه الإيجابى عن ‏الجيش المصرى وإشارته لوجود لقاءات أمنية، وكأن قبول مصر ‏بالجلوس تقارب، أو أن مصر تدير سياستها بوجهين، وألمح إلى أن تركيا ‏يمكن أن تنظر فى تسليم المطلوبين رغم أن مصر لم تطلب، ظنا منه أن ‏تركيا تحتفظ بما له قيمة توازى مصالح مصر.‏

مصر تدير سياستها الخارجية بتوازن، وهى لا تسعى لعداء مع أحد، ‏سياسة شريفة فى زمن عز فيه الشرف، وبناء عليه لن تتقارب مع عديم ‏الشرف، ربما تتواصل مع نظام آخر لا يحتفظ بإرهابيين ولا يدعم قنوات ‏محرضة ويعتبرها كروتا للمقايضة بها مع دولة بحجم وثقل مصر.‏

وكان رد السفير سامح شكرى وزير الخارجية، على التصريحات التركية ‏واضحا بأن سياسة مصر الخارجية لا تخضع للابتزاز وتبحث عن ‏مصالحها فى شرق المتوسط بالطرق المشروعة، ولديها محددات ‏واضحة لأمنها القومي، ولا يشغلها كثيرا الحديث السياسي الببغائى أو بيع أردوغان للخونة والمستأجرين الموجودين بحوذته، لأنها فى الأساس مسألة ‏وقت ولا تتعجله مصر.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً