مروان يونس يكتب: المنافسة السياسية الميكروسكوبية

مروان يونس
مروان يونس
كتب : أهل مصر

لن أتحدث في هذا المقال عن نظام أو إدارة غرضا لتوجيه النقد أو الإشادة ولكن قد أسلط الضوء علي المشهد التاسيسي لانتخابات برلمان مصر 2020 وهي الانتخابات الأهم، تلك الانتخابات وهذا المجلس القادم الذي سيكون الممثل القانوني والشرعي لشعب مصر وسط منطقة تعصف بها القلاقل والصراعات وخلال فترة زمنية صعبة مليئة بالتحديات ملازمة لعملية إصلاح اقتصادي شديدة التعقيد، برلمانا يفترض أن يكون خلاف سلفه معبرا عن أماني وطموحات هذا الشعب بمستقبل أفضل بقدر ما يكون عينه وضميره في مراقبة السلطة ومصدرا للتشريعات المنظمة لحياة مائة مليون مصري.

لم يخرج مشهد التسجيل والترشح للانتخابات القادمة خارج سياق التوقعات أو خارج إطار المنطق السياسي أو خارج إطار فلسفة القانون الانتخابي المتاح والذي بناء على نصوصه ستقام الانتخابات وستدار كافة الإجراءات الانتخابية سواء للقوائم المئوية أو للمقاعد الفردية، فرغم اتفاقنا على شرعية صدور القانون من الجهة المختصة ورغم اختلافي الشديد مع فلسفة القانون المستندة لفكرة توسيع مساحة الدوائر الانتخابية وزيادة أعداد القائمة المغلقة المطلقة لتسجل أرقاما قياسية عالمية مقابل نظرائها من القوائم ببلاد العالم، ورغم يقيني أن تلك الفلسفة لن تؤدي بنا إلا لإعادة السيطرة للمال السياسي على المقاعد الفردية وإعادة المحسوبية الحزبية والحظوة لاختيارات القوائم الفئوية الواسعة شديدة التعقيد، وأن كلا المعطيين قد يصل بنا لشكل من انحسار المنافسة الحقيقية وانخفاض في نسب المشاركة والتصويت.

ولكن ما خرج عن التوقعات هو مسلك تيارات المعارضة أو للتدقيق التيارات التي تدعي أنها جاءت لتنافس أحزاب النظام السياسي مدعية أنها تملك حلولا ومسارات سياسية وأفراد قادرين على تقديم طرح سياسي بديل وكوادر منافسة وخطط تنموية قد تكون من وجهة نظرهم أفضل من ما يقدمه النظام الحالي سواء من خلال حكومته بشكل رسمي أو ممثلها البرلماني "بشكل عرفي" تحالف حزب مستقبل وطن.

فقد سلكت الأحزاب والتيارات السياسية مدعية المنافسة مسلكين شديدي العجب، المسلك الأول كان الانضمام إلى قوائم مستقبل وطن والتوافق والتفاوض على عدد من المقاعد يتيح لها البقاء برلمانيا ويعطيها قبلة الحياة خلال السنوات القادمة، وفي المقابل إعلان التوافق التام والكامل مع الأحزاب الممثلة للنظام بغرض الدخول بتلك القائمة وللأسف كان ذلك بدون تقديم أي فكرة تشريعية أو خطاب مختلف أو مشروع سياسي وبدون تقديم أي إضافة قد نستطيع من خلالها التفرقة لاحقا بين لونهم السياسي كمنافسين وبين أغلبية حاكمة.

المجموعة الأخرى من التيارات المنافسة والأحزاب خارج حظوة القائمة اتخذت سبيلها بالانتخابات البرلمانية عجبا، فكل مجموعة منهم بدأت في تشكيل قائمة منفردة معتقدة أن تلك القائمة الغراء ستكون الوعاء الانتخابي الذي ستصب فيه جميع الأصوات المتحفظة على أداء أحزاب الأغلبية أو وستحصد الأصوات المتحفظة على أداء النواب السابقين أو حكومة النظام معتمدين على فكرة التصويت العقابي والذي من خلاله ستستطيع المنافسة وحصد ملايين الأصوات.

وبدون برنامج سياسي أو لون قناعاتي أو أهداف واضحة وأجندة تشريعية معلنة وحتى بدون تمويل أو وجود تنظيم مناسب بل بدون قيادات قادرة على تقديم البدائل اعتقدت وهما أنها ستستطيع المنافسة بل والأدهى غرتهم قوتهم حتى ذهبت كل مجموعة منهم لتشكيل قوائم ميكرسكوبية القدرات السياسية لا تشترك إلا في نفس الضعف ولا تتطابق إلا في الابتعاد عن الواقع.

فلم تزيد تلك القوائم المشهد إلا بؤسا وصعوبة، فبدلا أن تلتف تلك المجموعات مدعية المنافسة في قائمة واحدة وتوحد قدراتها وتبحث عن أفضل العناصر خارج خيمة التأييد المطلق "وهي كثيرة" قد أعطت تلك المجموعات مثالا ليس بالجيد عن حال الوسط السياسي المصري معلنة ضمنا عن عدم قدرة تلك المجموعات والأحزاب الصغيرة خارج النظام على التوافق والأهم عدم قدرة تلك الكانتونات حتى على تقييم نفسها سياسيا أو تنظيميا ونتيجة لذلك عدم قدرتها على تقديم أي جديد للوطن أو خوض أي عملية انتخابية حقيقية رغم أن تلك الوجوه وتلك الأسماء متواجدة لسنوات ماضية في الوسط السياسي بل متمتعة بالشرعية السياسية ورعاية القانون.

ومن هذا المشهد المعقد يظهر بوضوح أن مصر تمر بأزمة حقيقية، فلا يوجد قدرة لكل العاملين في الوسط السياسي على تقديم أي منافسة حقيقية، بل من خلال الانتخابات القادمة ستكون قد فقدت جميع الأحزاب والتكتلات لألوانها وأطيافها السياسية، فبات الوطن أمام منافسة غائبة أو محسومة مسبقا، إن لم تؤدي لخمول التيار الحاكم بسبب عدم وجود منافس حقيقي فحتميا ستؤدي لخمول الناخب ذاته مما سيستدعي مشاهد انتخابات سابقة طالما سببت المشاكل وكانت ذريعة لدب القلاقل والفرقة بين المصريين و تسللت من خلالها التيارات الإرهابية.

ونهاية، فأولا إن هجر الصناديق أو الاستمرار في انخفاض نسب المشاركة أمر ليس بالجيد فلكل انتخابات شرعية سياسية لابد منها ولا يعني اكتمال الإجراءات الانتخابية القانونية بشكل سليم هو كل شيء، وثانيا فكما على النظام والبرلمان القادم مراجعة نفسه وتوجهاته وإعادة النظر في التشريع المنظمة لانتخابات البرلمان فعلى ما تبقى من رأي آخر أو منافسين سياسيين ساعين للتواجد وحجز مكان بالمستقبل السياسي لمصر مراجعة وإعادة تقييم قدراتهم ومحاولة استعادة هويتهم السياسية ليكون هناك في يوم قريب اختيارات متاحة أمام المواطن المصري خلاف المعارضة المؤيدة أو المنافس الميكروسكوبي.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً