عند قدوم نابليون إلى مصر على رأس حملته التاريخية، والتي كان يعلق عليها آما لا غير مسبوقة في أن يبني لنفسه ولفرنسا إمبراطورية في الشرق تتحكم في طرق التجارة إلى الهند وتسود العالم القديم والذي كانت بلاده تتنافس مع بريطانيا العظمي في ذلك الوقت، على زعامته وجعل مصر مركزا لتجمع المهاجرين من أفريقيا والجزيرة العربية وسوريا ولبنان واليونان وفرنسا وإيطاليا وبولندا وألمانيا وباقي الدول الأوروبية، لتحويل البلاد إلى الحضارة الأوروبية ذات الخلفية الثقافية المسيحية، ونشر هذه الحضارة عبر سنار والحبشة ودارفور وفزان إلى كل أرجاء أفريقيا . وقد عرج نابليون وهو في طريقه إلى مصر على جزيرة مالطة، حيث فتحها واتخذ بها قاعدة لأسطوله، بعد أن أصدر أوامره بإلغاء الرق في الجزيرة، وتحرير الأرقاء الموجودين بها ومن بينهم 600 من الرقيق الأتراك، و1300 من الرقيق المغاربة المسلمين ثم طلب نابليون من القناصل الفرنسيين في تونس وطرابلس والجزائر أن يحيطوا الولاة في هذه البلدان التي كانت تتبع حتى ذلك الحين دولة الخلافة العثمانية، بالإجراءات التي اتخذتها فرنسا لأبطال الرق في الجزيرة، والتي كانت وثيقة الصلة بهذا الجزء من العالم العربي المطل علي جنوب البحر المتوسط، وأن يدعوهم إلى اتخاذ إجراءات مماثلة في بلدانهم، من بينها على الأقل تحرير الأرقاء المالطيين ممن في حوذة مواطنيهم.
وكان نابليون قد قام بهذه الإجراءات تحت تأثير الأفكار التقدمية التحررية للثورة الفرنسية، والتي اتخذت لنفسها شعارات تتحدث عن الحرية والإخاء والمساواة لكل البشر منذ قيامها قبل سنوات قليلة من هذا التاريخ، ورافق بعض هؤلاء العبيد المعتوقين سفن الحملة الفرنسية في طريقها إلى مصر، والتحق بعضهم بالفعل بالعمل بالأسطول الفرنسي الذي كان يقوده نابليون بنفسه، ونزل البعض الآخر إلى المدن المصرية حيث ذابوا بسرعة وسط الأهالي، وكان من أحد المالطيين الذي استطاع أن ينشئ في القاهرة مقهى قريباً من النمط المالطي الأوروبي ويختلف قليلا عن الحوانيت المشابهة، التي كانت منتشرة في القاهرة وتقدم المشروبات والنرجيلة إلى روادها، وكان هذا المقهى في حقيقة الأمر أقرب إلي الملهي. ويصف الجبرتي العبد المالطي المعتوق ومقهاه بأنه: "جميع الناس للجلوس فيها والسهر حصة من الليل فاستأنسوا بالاجتماعات والتسلي والخلافات، وعم ذلك جهات تلك الخطة ووافق ذلك هوى العامة، لأن أكثرهم مطبوع على المجون والخلاعة، وتلك هي طبيعة الفرنساوية، فصاروا يجتمعون عنده لسمر والحديث واللعب والممازحة، ويحضر معهم ذلك الضابط الفرنساوي ومعه زوجته
ولم يكن الضابط الفرنسي الذي يشير إليه الجبرتي في تاريخه هو الوحيد الذي اتخذ زوجة مصرية، فقد درجت على ذلك أعداد كبيرة من الجنود والضباط الفرنسيين بعد أن أشهروا إسلامهم، كما لجأ فرنسيون آخرون، ممن لم يكن لهم خليلات من نحو 300 امرأة فرنسية، رافقت سفن الأسطول الفرنسي في رحلته للاستيلاء على مصر، إلى التسري بأعداد غير قليلة من الجواري الأرمنيات والكرجيات اللائي قام الفرنسيون أنفسهم بسبيهن من جريم أمراء المماليك الذين فروا من وجه الجيش الفرنسي إلى الصعيد وأطراف الصحراء، كما اعتادت الإماء السود ممن يلاقين سوء المعاملة من أسيادهن في القاهرة، على الهروب الى ثكنات الجيش الفرنسي وفي ذلك يقول الجبرتي في تاريخه: "وأما الجواري السود فإنهن لما علمن رغبة القوم في مطلق الأنثى ذهبن إليهم أفواجا فرادى وأزواجا، فنططن الحيطان، وتسلقن إليهم من الطبقات، ودلوهم على مخبآت أسيادهم وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك