طارق متولي يكتب: حكايات من مصر القديمة (2).. قصة العامو أو الهكسوس

طارق متولي
طارق متولي

إن كلمة الهكسوس الذين غزوا مصر فى أواخر عصر الأسرة الثالثة عشرة الفرعونية ١٨٠٣ إلى ١٦٤٩ ق.م فى الحقيقة لا تعبر عن شعب معين بقدر ما عبرت عن صفة لمجموعة من الحكام الذين احتلوا مصر وأطلق عليهم المصريون اسم حقاو خاسوت، بمعنى حكام البراري، وتحوّرت الكلمة إلى هكسوس، التى ترجمها المؤرخ المعروف مانيتون بمعنى ملوك الرعاة، ثم ترجمها المؤرخ يوسفيوس اليهودى بمعنى الأسرى الرعاة، وعبر المصريون أيضا عنهم باسم العامو، بمعنى الوباء، وعبروا بهذا عن صفاتهم البربرية والأجنبية والقبلية أكثر من تعبيرهم عن أصولهم.

والأصل الجنسى للهكسوس، أو العامو كما يسميهم المصريون، غير معروف على وجه الدقة، وأكثر الآراء قبولا فى هذا الشأن هو أن هجرة الهكسوس إلى مصر كانت بسبب تحركات شعوبية كبيرة هاجرت تباعا من أواسط آسيا تحت ضغط ظروف طبيعية وبشرية غير معروفة بالتحديد.

تدفقت هذه الهجرات إلى جنوب الشام فى سوريا ثم إلى مصر خلال سنوات طويلة استوطنوا فيها على حدود مصر الشمالية الشرقية ثم تسللوا إلى داخل الأراضي المصرية، وقد أحدثوا ضررا كبيرا بطريق التجارة بين مصر وسوريا آنذاك، وتسببوا فى عدم استقرار هذه المناطق التى دخلوها، حتى استطاعوا فى النهاية إقامة دولة لهم فى مصر، فى وقت كان يدور فيه نزاع شديد على السلطة بين الشخصيات الكبيرة فى مصر فى أواخر الأسرة الثالثة عشرة كما ذكرنا.

فى البداية لم تكن دولة كبيرة بالمعنى الكامل، فنظرا لطبيعتهم القبلية والبربرية كانت الدولة فى عصرهم عبارة عن عدة إمارات منفصلة، إلى أن أخضعهم لسلطانه أشدهم قوة وأكثرهم جنودا تحت رايته وهو ملك يدعى سالتيس، اتخذ عاصمة له فى شرق الدلتا كانت تسمى "حة وعرة" وهو اسم هوارة الحالى، أو كما أطلق عليه الإغريق افاريس فى منطقة الفيوم الحالية، وأقام فيها التحصينات الكبيرة وفرض سيطرة حكمه على غالبية أقاليم مصر فى الشمال والجنوب.

فى خلال فترة حكم هؤلاء الرعاة، وعلى الرغم من سيطرتهم على مقاليد الحكم والنظام، إلا أنهم لم يؤثروا على حياة المصريين وطبائعهم، ودلت آثارهم القليلة الصغيرة أنهم لم يكن لهم تأثير يذكر فى تطوير فى العمارة أو الفن أو الهندسة، وعجزوا تماما عن تغيير تقاليد مصر الروحية واللغوية والدينية، بل على العكس تأثروا هم بعقائد المصريين وتطبعوا بها.

لذلك نجد أن مصر لم تدِنْ لحكمهم تماما، فقد ظل المصريون يتوقون للتحرر من هؤلاء الأجانب طوال فترة حكمهم، حتى ظهرت حركات التحرر من إقليم طيبة في الجنوب الذى استغل بعد موقعه فى قلب الصعيد وتمتع أهله بنوع من الاستقلال الذاتى واستحضر أهله روح أمجادهم القديمة ودولة أسلافهم العظماء، حتى استطاع كبار حكام طيبة أن يقاوموا الهكسوس ويزيحوهم ويكسبوا أرضا جديدة كل يوم، حتى وصلوا إلى الشمال عند حدود القوصية.

وقد عرفت أسرة هؤلاء بالأسرة السابعة عشر، وسوف نذكر لكم أهم ملوك هذه الأسرة الذين كان لهم الدور الأكبر فى جلاء الهكسوس عن مصر تماما وبلا رجعة، وهم الملك سقنن رع، وأبناؤه كاميس وأحمس، فى مقال قادم بإذن الله.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً