اعلان
اعلان

أيامنا الحلوة..كان فين قلبى؟

الكاتب محمود خليل
الكاتب محمود خليل

هل نُفكر بعقولنا أم بقلوبنا؟ ثُم هل التفكير بالقَلْب نَقيصة أو عيب؟ هل التفكير بالعَقْل هو القاعدة؟ تُرى من الأقوى والأولى بالقيادة القَلْب أم العَقْل؟ من المُسيطِر؟ من المُحرِك؟ ما الذى يَحدُث عندما نُفكر ونتخذ القرارات فى حياتنا ؟ ما رأى اللُغة فى العَقل والقَلب؟ ماذا قال لنا الله الخالق الذى صَنَعنا و خَلقَنا فأحسن خَلْقنا؟

قضية التفكير بالعَقْل أم بالقَلْب ليست قضية جديدة بل على النقيض فهى قضية قُتِلَت بحثاً وقيل فيها ما قيل من أراء ونظريات، لكن قبل أن نستعرض أى نظريات أو أراء فى مسألة التفكير بالعقل والقلب، تعالوا نسأل أنفسنا سؤالاً بسيطاً، كيف نُفكر فى الواقع؟ كيف نتخذ القرارات؟ لا شك أننا فى حياتنا اليومية وبإستمرار تقابلنا مواقف تستدعى منا قراراً سواءاً كانت تلك المواقف بسيطة مُتكررة كقرارات شراء شئ من إحتياجاتنا أو مواقف شديدة الأهمية نادرة التِكرار كقرارات العَمَل والشراكة والصحة والزواج.

يَمُر الأمر من الأمور أمامنا فنُفكر فيه بعقولنا أولاً حَسَب المُعطيات والظروف المُحيطة، فنُقارن الخيارات ونوازن ونضع تصورات وخطط على حسب حجم القرار وتبعاته ثم نَصِل بعدها للقرار، لكن وقبل أن نعتمِد القرار وننطق به ونُطَبّقه نجد أنفسنا نعرضُه على قلوبنا! فإن إطمأنت قلوبُنا للقرار فعلناه ثم بررناه ودافعنا عنه إن تعرضنا لمُناقشة أو لوم، وإن لم تطمأن قلوبُنا رفضنا القرار وأعدناه للعَقْل ثانية وعليه خِتم (مرفوض)! فيعود العَقل للعَمَل ثانية ويعيد عملية التحليل والتفكير فقط ليصل لقرار يُرضى القَلْب! إذن فالقَلْب هو المُدير وهو القائد! وغاية المُراد دائماً هى راحة القلب وليست راحة العَقل.

لا يكتفى الإنسان منا أبداً بالعقل فى إتخاذ القرارات، ولا يمضى فى طريق التنفيذ إلا إن بارَك القَلْب ما وصل إليه العَقل، وربما غَيَّر الواحد منا قراره (المَنطقى) والسليم فى أخر لحظة فقط إرضاءاً لقلبه الغير مُطمئن، والأمثلة كثيرة! فهذا طالب عِلم يُغير إجابته (المنطقية جداً) فى ورقة الإجابة قبل دقائق من تسليم ورقة الإجابة وذاك مؤلف يُغير عُنوان كِتابه الذى أمضى عُمراً فى كتابته قبل أن يُسلمه للطَبع فقط ليرضى قَلبه وهذا مُقاول يُغير فى أسعار مُناقصة مُهمة قبل أن يُسلم الأسعار بدقائق لأن (قلبه مش متطمن)، ويَحترم البَشَر فى كل أنحاء العالم وفى كل المجالات أحكام القَلْب وإخترعوا له مُصطلحاً أصبحنا نستخدمه فى حياتنا وأعمالنا مهما كانت جنسياتنا وهو ال (الجات فييلنج GUT FEEELING) وهو الهاجس المُنافى للمنطق (تعريفه اللغوى كدة!)

وتُحدثنا اللُغة العربية أنَّ كلمة قَلْب هى كلمة مُشتقة من الفعل قَلَب، ولو تأملنا فى الأفعال المحيطة بكلمة قَلْب لوجدناها غزيرة المعانى مُتنوعة المدلولات، مثلاً قَلَب الرَجُل الشئ أى جعل أعلاه أسفله، قَلَب الرَجُل الصفحة أى جَعَل باطنها ظاهرها، قَلَب الرَجُل الأمر أى إختبره ودَرَسه، قَلَب اللهُ العَبْد أى توفاه،وهكذا .. ، كُلها أفعال مُتنوعة المعانى غير ثابتة ولا راكدة، أفعال تنبض بالحيوية والتغيير والمرونة كحال الحياه ومُتطلباتها، أفعال تدل على قوة كلمة (قَلْب) وتنوع معناها.

أما كَلِمة عَقل فهى كلمة مشتقة من الفعل عَقَل، ومعانى الفعل عَقَل كُلها تدور حول معانى الإدراك والفهم والثبات و الإستقرار، عَقَل الرَجُل الأمر أى فهمه، عَقَل الرجُل البعير أى أوثقه، لذلك تبدو كلمة قَلْب مُحددة المعانى ذات قدرة محدودة مُقارنة بالعَقْل، ولذلك فبإمكاننا أن نقول وبُمباركة من اللُغة العربية أن القَلْب هو الأقوى.

ويُضللنا بعض الناجحين من أصحاب الشركات العالمية الكَبيرة والمِليارديرات وذوى المناصب عندما ينصحون الشَباب والمُقبلين على الحياه بتغليب العَقل على القَلب مُحاولين التقليل من قيمة القلب وإعلاء العقل عليه وما هذه النصائح إلا (نَصب رَسمى)، إذ أنك لو قرأت سِيَر هؤلاء الناجحين فسَتجِد أن الدافع الرئيسى لنجاحهم لم يَكُن تفكيرهم بالمنطق والعَقل بل كان سِر نجاحهم دائماً شيئاً كامناً فى القَلب! إذ أن أحلامهم التى سكنت قلوبهم وألهمتهم هى التى قادتهم ليصلوا إلى ما وصلوا إليه من نَجاح وتألق ، نعم قلوبُهم هى التى قادتهم وليست عقولهم! وستجد أنهم قد تحدوا المنطق والعقل مئات المَرات ليصلوا!

ويطلب منا الأصدقاء النصيحة فلا نُحس أننا نصحناهم بِصدق إلا إن إستحضرنا وضعهم وعِشنا تجربتِهم بقلوبِنا، بعد هذا فقط تأتى النصيحة الصادقة أما إن لم يحضر القلبُ وقت النصيحة فستخرج باهتة لا نفع فيها ولا إضافة!

ويَنتقد الرجال وأنا أولهم النِساء ويعيبون عليهم تغليب القًلب على العقل، لكننا كرجال -وأنا أولهم برضه- ورغم سُخريتنا من قلوب النساء إلا أننا نَطلب البركة ونبحث عن التوفيق فى دُعاء الأمهات والزوجات الخارج من قلوبِهم أكثر ما نَطلُبه فى إستشارة الأباء أصحاب العقول و خبرة الحياه! وتظل كَلمات أمك تُطاردَك وتحوم فوق رأسك مُبشرِة أو مُنذِرة وأنت تفعل ما باركَته لك هى أو حذرتك منه! ، ويتحدى الواحد مِنا تحذيرات زوجته من فِعلٍ ما ثم يعود وهو يجر ذيول الخيبة مكسوراً مدحوراً بعد أن فشل فى مَسعاه !

والحق أنه لا عيب فى عَقلِ المرأة ولا قلبها، وأما حديث رسول الله عن نُقصان عَقل المرأة فقد ذَهَب المُفسرون إلى أن المقصود هو نسيان المرأة لبعض الأحداث التى رُبما تَضُر بدِقة شهادتها فى حدثٍ ما، مما يستدعى أن يكون مَعَها دائماً من يُذكرها ، وقَد شاور الرسول زوجاته فى أمور مُهمة ومنها إستشارته لزوجته أم سَلمة فى صُلح الحُديبية.

ومن التجارب العِلمية التى أثبتت قوة القلب على العقل تلك التجربة التي أثبتت أن للقلب جهازاً عصبياً خاصاً به! وذلك عندما قام العالم الدكتور هورنز من جامعة هارفر عام 1994م بتجربة اثبت فيها أن للقلب جهازاً عصبياً مستقلاً يجعله مدركاً وواعياً، فوجد القلب يستخدم النواقل نفسها التي يستخدمها المخ للإحساس والإدراك، فالقلب – حسب النظرية – هو كيان مستقل ومستغني بجهازه العصبي عن المخ، وقد سمى الدكتور هورنز الجهاز العصبي الخاص بالقلب والموجود فيه بالمخ الصغير فهو يساهم في نقل المعلومات إلى المخ الكبير التابع لدماغ الإنسان والموجود في الرأس كما أنه اثبت أن الجهاز العصبي القلبي يساهم في توجيه المخ الكبير وهو مخ الرأس عن طريق الاتصال بالنخاع الشوكي.

والسؤال هُنا ألا يبدو ذلك مُطابقاً لما يحدث لنا فى حياتنا اليومية عندما نتخذ قراراتنا!

ويوجهنا اللُه سبحانه وتعالى الصانع الحكيم إلى قيمة القلب عندما يُشير للقلب فى القُرأن الكريم على أنه هو محل الإدراك والشك والعِلم وهذه بعض الأيات

 (لهم قلوب لا يفقهون بها...) سورة الأعراف الآية 179.

(وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون...) سورة التوبة الآية 45.

(...وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون...) سورة التوبة الآية 93.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر إلى أجسامِكم ولا إلى صُوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم)

وفى الإنجيل العديد من الأيات التى تُشير لقيمة القلب وأنه محل نظر الله :

«لَا تنْظُر إِلَى مَنْظرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لِأَنِي قَدْ رَفَضْته. لِأَنّه لَيس كَما يَنْظُرُ ٱلْإِنْسَانُ. لِأَن ٱلْإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى ٱلْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا ٱلرَّب فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى ٱلْقلْبِ" (صموئيل الأول 16:7)

"أُعطِيكُمْ قلْبًا جَدِيدًا، وَأَجعَل رُوحًا جَدِيدَة فِي دَاخلِكُم، وَأَنْزِع قَلْب ٱلْحَجَر مِن لَحْمِكُم وَأُعْطِيكُم قَلْبَ لَحْم" (حزقيال 36:26)

وقد إستلهم المصريون ببساطتهم وعفويتهم مُسلميهم ومسيحيهم من هذا التُراث الدينى كلمة دائماً ما تجرى على ألسنتنا أن (ربنا رب قلوب)!

وقد وجههنا الرسول الكريم أن نستمع إلى صوت القلب ونُغلبه على قول العُلماء أحياناً وذلك فى قوله (إستفتِ قَلبِك) ورغم أن هذا الحديث لا ينبغى أن يؤخذ به إلا فى إتجاه إتقاء الشُبهات والبُعد عن مَظنة الإثم إلا أن فيه تأكيداً واضحاً على قيمة فتوى القلب.

إذن القلب هو القائد، القلب هو من يوجههنا، القلب هو قائد السفينة، هو السبب فى أفراحك وأتراحك، إن نجحت يوماً فى أمر فإشكر الله ثم إشكر قلبك وقلوب من ساعدوك، وإن فشلت فى قرار فلا تقل (كان فين عقلى لما عملت كذا؟) ولكن قُل (كان فين قلبى ؟!)

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً