أيامنا الحلوة.. الأكثر مبيعاً

محمود خليل
محمود خليل

ذَهَبْت مؤخراً إلى مكتبة كبيرة من مكتبات بيع الكتب، تلك المكتبات التى تستقبلك بطاولة عرض (ترابيزة) فى مدخلها الرئيسى مكتوب عليها (الأكثر مبيعاً)، وإن تخطيت تلك الطاولة دون أن تتصفح تلك الكُتُب فستجد نفس الكُتُب موضوعة على الطاولة التالية تحت إسم (الأكثر تأثيراً مثلاً) و ستجدها مرة ثالثة غالباً على طاولة كُتُب التنمية البشرية، وستجد تلك الكتب بلُغتها الأصلية والتى هى الإنجليزية غالباً وستَجد النُسخة مُترجَمة للغة العربية، وسواءاً شِئت أم لم تشأ فستجد نفسك تتصفح تلك الكُتُب، فالفرد منا لا يحب أن يكون مُتخلفاً أو بعيداً عن الأحداث، وستجد كُتُب التنمية البشرية تحتل مكاناً بارزاً دائماً فى القائمة، وستجد دائماً تلك الكُتُب التى تتحدث عن فن اللامُبالاه وعن الخمسين طريقة لكسب الناس والعشر طُرق للتغلب على الأحزان فى الكُتُب الأعلى مبيعاً.

ونصيحتى الأمينة لك أن لا تنزعج إذا لم يتفق ذوقك الفنى مع مواضيع الكُتُب الأكثر مبيعاً عالمياً إذ أن ذلك التصنيف هو تصنيف تُجارى يعتمد إعتماداً كُلياً على عدد المُشترين والمبيعات، وتُحقق تلك الكُتب ذلك النجاح التُجارى فى بلدها الأم غالباً حيث كُتِبَت ثم تنتشر تباعاً حول العالم تحت خطة ترجمة مُمنهجة تتبناها دور نشر عالمية، وتنجح تلك الكتب حيث كُتبت لأنها مست قضايا المجتمع الذى كُتبت فيه، فمن المؤكد أن الأمريكى سيحتاج كتاباً يتحدث عن فن اللامبالاه فى مجتمع لا رحمة فيه يتصارع فيه الجميع من أجل توفير ما يستطيعون به دفع فواتيرهمو سينجح كتاب كيف تؤثر فى الناس وتكتسب الأصدقاء فى إنجلترا حيث يُعانى الناس من برودة المشاعر!

ولا أظن أن القارئ المصرى سيهتم كثيراً بكتاب يتحدث عن فن اللامبالاه فنحن أساتذة فى ذلك! ولا أظننا سنحتاج لمن يُرشدنا وينصحنا بما نفعل وما لا نفعل وماذا نرتدى وما لا نرتدى، فنحن شعب يأخذ إرشادات حياته وإلهامه وما يُنظم حياته فى تعاليم دينه، ونجد فى الدين ما يُهذب أخلاقنا وينظم حياتنا، ونخرج من صلواتنا دائمة بطاقة مُتجددة فلا نحتاج بعدها لكتاب من نوعية (لا تيأس) وعندنا فى الدين ما يُعلمنا كيف نؤثر فى الناس وكيف نتفاعل مع المجتمع فلا حاجة لنا فى تلك الكُتب التى تتحدث عن تلك القضايا المُتعلقة بالفشل الإجتماعى!

والحق أن الإحصائيات والأعداد والنِسَب عادة ما تنجح فى التعبير عن النجاح أوالتفوق أوالتميز، وهى وسيلة فعالة فى تحديد الفائز فى الإنتخابات السياسية و فى نتائج الإختبارات المدرسية أو فى تحديد معاييرجودة مُنتج ما! لكن لا أظن أن بوسعها التعبير عن التذوق الفنى! فالأفلام السينمائية الأكثر مشاهدة ليست أجمل الأفلام ولا أكثرها حبكة درامية بل أن الكثير منها فيه من السذاجة ما لا يمكن تصوره، ومؤخراً شاهدت فيلماً لجنيفر لوببيز واوين ويلسون اسمه Marry Me أو (تزوجنى)، وفيه تُقرر النجمة المشهورة الزواج من واحد من الجماهير المُحتشدة لرؤية حفل زفافها على نجم أخر بعد أن إكتشفت خيانته، وتختار النجمة التى قامت جنيفر بدورها اوين ويلسون الذى قام بدور الشخص العادى وتتزوجه ! هكذا؟! فى عام 2022؟ وإستمر الفيلم بعد ذلك الزواج لمدة ساعة ونصف قضيتها وأنا غير مُقتنع، فالقصة أساسها ردئ والسيناريو أكثر ردائة لكن الفيلم مع ذلك كان من أكثر الأفلام مُشاهدة!

وإذا كان لا بُد من الإستفادة من وسائل قياس الرأى الحديثة عبر الإنترنت ومواقع التواصل فعليك بقراءة المراجعات أو ال reviews، أرجو أن تستمع لتلك الأصوات الخافتة التى تظهر وسط زحام التأييد لذلك العمل الفنى ذو المليون نسخة، تلك السطور الخجولة التى تُحذرك من أن العمل مُمل أو طويل أو غير منطقى، إستمع لتلك الأصوات حتى لو كانت قليلة وخافتة خاصة إذا صدرت عن مُثقف أو مُتخصص أو صاحب رأى، فالناس فى إحصائيات الشراء الشراء والمُشاهدة سواسية لكنهم ليسوا كذلك فى المُراجعات او الـreviews!

رزقنا الله العِلم والحِكمة وجَعَل أيامنا وأيامكم حُلوة!

WhatsApp
Telegram