ربما تكون كلمة Trend (تريند) من الكلمات الإنجليزية القليلة التى لا يتأثر معناها إذا تُرجمت ترجمة حرفية للغتنا الغربية، إذ ليس لها معنى أخر أو مزودج، فالترجمة الحرفية للكلمة باللغة العربية وهى (الميل) أو (النزعة) أو (الإتجاه) ترجمة مُعبرة جداً وتُعطى المعنى المطلوب وتُغطيه، وكلمة (تريند) فى عصرنا الحالى هى كلمة ذات شعبية طاغية تفهمها جميع الطبقات مهما كان مستواها الإجتماعى أو الثقافى أو المادى.
والميول أو النزعات أو الإتجاهات هى أشياء مُتغيرة ومؤقتة تتغير مع الأوضاع المُحيطة بكل ما فيها إقتصادية ومناخية وسياسية، فالمزاج العام للناس فى الصيف غير الشتاء، وإهتمامات الفقراء غير الأغنياء، وميول المثقفين غير ميول العامة، وما نهتم به فى وقت الحرب مُختلف عما نهتم به فى وقت السلم، بل أن المزاج العام يختلف من فرد لأخر ربما داخل البيت الواحد، والبَطَل (اليومين دول) هو من يُصادف ميول الناس ليكون هو البطل وهو صاحب (الترند)، وهذا البَطَل قد يكون شخصاً أو حدثاً أو إختراعاً أو مؤسسة، المهم أنه شئ إستولى على إهتمام عدد كبير من الناس!
ويستطيع الإعلام أن يتحكم ويُسير ميول الناس وأهوائهم ولذلك سُميت الصحافة بالسُلطة الرابعة، إذ أنها تستطيع أن تُسير وتتحكم فى ميول وأهواء الناس، والصحافة الإلكترونية وأدوات نشر الخبر عبر (الإنترنت) بما فيها مواقع التواصل الإجتماعى هى وريث شرعى للصحافة وهى وسيلة أكثر فعالية لتسيير أهواء الناس وهى تخلق (الترند) ولا تنتظره وتنتقى ما يصلح أن يكون وما لا يصلح أن يكون !
والعِلم على كل حال لم يترك شيئاً للصدفة فكل شئ مدروس حتى صناعة (الترند)!
و(الترند) لا يستأذن ولا يُرسل إنذاراَ بل يهبط عليك بلا مُقدمات، وفجأة ستجد العالم كله يتحدث عن موضوع واحد سواءاً كان ذلك البطل أغنية أو خبر أو إختراع أو قصة أو شخصية أو شركة، وستتوالى الأخبار والحوارات حول نفس الموضوع وستجد نفسك محاصراً ومدفوعاً من جميع الزوايا والإتجاهات بقوة تدفعك لتعلم أكثر وتعرف أكثر عن ذلك الموضوع، قوة مُستمدة من وسائل الإعلام ومن المواقع ومن وسائل التواصل الإجتماعى، إنها قوة موجة طوفان (الترند) الجارف !
ويحدث أن يستشعر الجالسون خلف مكاتب إدارات القنوات والمواقع ووسائل الإعلام النجاح المُبكر لفكرة (الترند)، فيتخذون أماكنهم فوراً فى زوارق تسير مع موجة الترند الجديد، وفى ساعات وربما دقائق تتبارى الأقلام والمُدونات والقنوات فى تناول الترند من زوايا مختلفة واضعين فى إعتبارهم أهدافاً كُلها كمية ولا علاقة لها بالبطل الذى هو سبب (الترند)، فالأهداف كلها عادة ما تكون مُتعلقة بعدد مرات الإعجاب ومرات المشاهدة، ومنها تأتى الإعلانات والدعاية والأموال !
وإذا سلَّمنا بشرعية المكسب المادى وراء أى عمل فمن منا يعمل ليخسر! لكن ماذا عن المُحتوى ؟ ماذا عن المعلومة المُستفادة؟ ماذا عن أمانة النقل؟ هل لهذة الإعتبارات أى وزن؟ هل لها من يسأل عنها ويرعاها؟!
المشكلة أن (الترند) بمفهومه الحديث (الإلكترونى غالباً) هو غير عادل وغير مُحايد ولا يتمتع بالمصداقية، ولا يعطى للناس الفُرصة لتحليل ما يرونه وما يسمعونه قبل أن يحكموا بجدارته ليكون هو البطل، (فالترند) يأتى تماماً كموجة البحر العظيمة مُحملاً بأشياء كثيرة لكن معظمها لا ينفع! فهو يأتى بقليل من المحتوى الصادق وكثير من الزيف والتحيز والكذب، بل أن الأصوات المُعارضة التى تأتى مع (الترند) تأتى بلا هدف حقيقى وبلا مضمون بل ويكون بعضها مصنوعاً -(غير تلقائى)- لضمان زيادة الحبكة الدرامية وجذب أكبر عدد من المتابعين.
ويُعانى المُتلقى الحقيقى (الذى يُتابع ليعلم الحقيقة ويتعلم فيستفيد ويفيد) فى العثور على على إجابات لأسئلته العادية المشروعة عن البَطَل صاحب (الترند) وسط زحام التحليلات والتعليقات، فهو يريد أن يعرف أكثر عن عن ذلك الشخص أو ذلك الحَدَث!
وقد تنتهى الموجة وتنحسر قبل أن يعثر الُمتلقى عن إجابات لأسئلته (ماذا ومن وكيف ولماذا؟)
ورُبما يُفاجئ هذا المُتلقى الصادق لاحقاً أن ما إنشغل به لفترة لم يكن إلا شخصاً مُنحلاً أو مؤسسة مشبوهة أو حتى كذبة كبيرة إستهلكت وقته، لكنه غالباً لا يعلم كل ذلك إلا بعد إنتهاء (الترند) وتوجه الناس فى إتجاه أخر بأمر صناعه!
والفرد منا لا يحتاج فى هذه المرحلة من سيل الأخبار التى يقودها (الترند) ولا شئ غيره إلا أن يتخذ له ستاراً عقلياً يتقى به تلك الموجة وذلك الطوفان، ويحتاج قبل ذلك الستار إلى مصفاه لتصفية الأخبار وإنتقاء الحقيقى من الكاذب !
وخلف ذلك الستار العقلى يجب أن تحتفظ بأفكارك وأهدافك وما تريده أنت من الخبر! لا بد أن تظل مُتمسكا بمعرفة ما تريد أن تعرفه وما تريد أن تفهمه! لا بد أن تفهم لماذا هجم الأسد على الضحية؟ من الذى فك وثاق الأسد وحرره؟ أين حدث الهجوم؟ ومتى وكيف؟ لماذا ماتت الضحية؟ لماذا تأخروا فى نقل المُصاب؟ وإلا سيأخذك (الترند) إلى عالم من التفاهات وستنشغل بلون الأسد وقصة شعره !
أنار الله بصيرتنا جميعاً وجَعَل أيامنا وأيامكم حلوة!