كرزقِ ساقه الله إليك بلا تعب أو كشربةِ ماء دفعها إليك شخص ما لا تعرفه فى يوم حار وأنت تكادُ تموت عطشاً جاء نِضال جوليان أسانج بالنسبة لنا كعَرَب ومصريين، هذا الصحفى الإسترالى بسنوات عمره الخمسين والذى وَهَب شبابه وخبرته وعلمه فقط ليُبرز الوجه الأخر القبيح لمن إدّعوا طوال الوقت أنهم حاملي لواء الحُرية وحقوق الإنسان، وقد ألهَمتُه قصة كشف وثائق البنتاجون التى حدثت فى سبعينات القرن الماضى عندما تسربت وثائق عن حرب فيتنام أثناء الحرب كشفت كذب الإدارة الأمريكية فى الكثير مما أذاعته من بيانات.
بدأ جوليان الصحفى الأسترالى نضاله منذ كان فى الثلاثينات من عمره عندما أسَس منظمة (ويكيليكس)، ومنذ بدايتها عَرَّفت المُنظمة نفسها أنها مُنظمة غير ربحية تسعى فقط لكَشف ونشر الوثائق التى تكشف أى إنتهاكات غير مُعلنة لحقوق الإنسان والحُريات، لم تكشف المُنظمة أبداً عن مصادرها ولم تحترم تصنيف الحُكومات للوثائق سرية أو عَلَنية فإستباحت ما تقع يدها عليه للنشر، دائماَ وضعت المُنظمة كَشف الإنتهاكات كهدف لا تحيد عنه ولا يصرفها عنه شئ من عوارض السياسة وتحالفاتها.
ومنذ أعلنت المُنظمة عن أهدافها توقَع الجميع عدو (ويكليكس) الأول ومن غيرها؟ إنها الدولة التى لا تتماشى أفعالها مع مبادئها! الدولة التى تصافح باليمين وتطعن باليسار! التى تغزو وتُبيد مئات الألوف حرصاً على مصالح المئات! التى تتساوى عندها قيمة بِرميل النفط مع قيمة حياه الإنسان!
توالَت تسريبات ويكليكس وإنتصاراتها التى هزَت الإدارات الأمريكية المُتعاقبة منذ أن بدأت ويكليكس عملها، فمن تسريب النفقات الحقيقية الباهظة لحرب أمريكا فى أفغانستان إلى الكشف عن تفاصيل لم تُذَع من قبل عن طريقة إدارة مُعتقَل جوانتانامو الصارمة المليئة بالإنتهاكات، ثم تسببت ويكليكس أو كادت فى أزمة دبلوماسية بين الولايات المُتحدة وفرنسا عندما كشفت عن وثائق أثبتت تصنت المخابرات الأمريكية على رؤساء فرنسا المُتعاقبين، وتوجت ويكليكس انتصاراتها بالكشف عن وثائق تُثبت تجسس أمريكا على الهواتف النقالة للبَشَر وقتما أرادت وكيفما أرادت!
لم تترك أمريكا جوليان أسانج طويلاً وبدأت فى ملاحقته منذ عام 2010، حاولت فى البداية تلفيق فضيحة جنسية له حيث إتهمته السويد – بالنيابة عن أمريكا غالباً – بذلك لكن جوليان نجا من التهمة التى سقطت بالتقادم فيما بعد، ثم إضطر جوليان للجوء لسفارة إكوادور فى لندن هرباً من التضييق وبقى فى بريطانيا لاجئاً سياسياً لسنوات لم يسلَم خلالها من الضغوط الأمريكية تارة على الإكوادور لأاسقاط اللجوء وتارة على بريطانيا كى تُسلمه للولايات المُتحدة لُيحاكم هُناك بتهمة التجسس، وبعد سنين من مقاومة الضعوط الأمريكية إنهارت مُقاومة الإكوادور وأسقطت حق اللجوء عن جوليان ثم إنهارت مقاومة بريطانيا وصدر الحُكم من محكمة بريطانية بتسليمه للولايات المُتحدة حيث تنتظره عقوبة السجن لمدة 175 عام بعد أن يُحاكم مُحاكمة عادلة فى بلاد الحريات!
لقد بعث لنا القَدَر جوليان ليُناضل من أجل كشف زيف من تسببوا فى الكثير من المصائب لبلادنا على مدار السنين ، و ربمالم يكن جوليان مُضطراَ لذلك النضال لكن الله سخره لنا ليسبح ضد التيار ويواجه أعدائنا مع عدم إحتياجه لذلك! وسواءاً كان ظهور جوليان منحة إلهية مباشرة بلا سبَب أو كان بسبَب نزاعات دولية وصراعات أكبر من فهمنا فإننا فى كل الأحوال يجب أن نستفيد.
لكن السؤال هل إستفدنا؟ هل قرأنا؟ هل فهمنا؟ هل إنعكس ذلك على أسلوب حياتنا فإزددنا إيماناً بأنفسنا ومبادئنا وكُفراً بمبادئ من لا مبادئ له؟ أتمنى ذلك وإن كنتُ لا أعتقده !