الحب شارع ذو اتجاه واحد

حازم سالم
حازم سالم

الحب بطبيعته هو أكثر شيء يقول الإنسان أنه يعرفه، ويحس أنه متأكد من مشاعره عندما يأتيه، وهو أكثر ما يجعل الإنسان سعيداً، أو تعيساً، أو متفائلاً، أو متشائماً، أو واثق أو غير واثق من نفسه... إنه أعقد المشاعر الإنسانية وأشدها إرباكاً... إنه البلاء والابتلاء الذي نحبه ونتمناه ونرجو أن نصاب به... إنه ألذ الأمراض وأشهى الأعراض وأجمل المصائب على الإطلاق.

لكنه يبقى كذلك في خانة المجهول من حيث معرفة مساره ومصيره وغايته، ومن حيث معرفة محطات بدايته ومحطات نهايته، وما سوف يفعله بنا وهو يقطع رحلته من هذه النقطة إلى تلك...

لكن الذي قد أدّعى أنه يمكن الوثوق به من كل المشاهدات في أحوال الناس والبشر اليوم هو أنه في أغلب الأحوال وأكثر الحالات، إن لم يكن جميعها، الحب يسير على أنه شارع ذو اتجاه واحد one way street لأن الحب في العادة يتحرك إما منه إليها، أو منها إليه، بشكل منفرد وأحادي الجانب، وهو يكون من طرف واحد في جميع الحالات، ويكون في حالات نادرة جدا متردداً بين أن يكون من طرف واحد، منه هو إليها هي، ثم ينتقل ليكون منها هي إليه هو، في تتابع لا ينفي كونه في طبيعته وكيانه ومساره ومصيره شارع ذو طرف واحد، ولكنه يفتح الإشارة، بالتوافق بين الطرفين، في هذا المسار مرة وفي ذلك المسار مرة أخرى، بحسب توافق واتفاق وانسجام إرادة الطرفين... لكنه لا يكون أبداً في الاتجاهين في نفس الوقت.

إن كل قصص الغرام وكل حكايات الهيام وكل روايات الحب تتحدث إما عن حب من طرف واحد، أو عن حبيبين ينتميان إلى بعضهما البعض مثل فريق واحد ضد فريق آخر لا يحبهما أو يريد تمزيق حبهما، سواء كان الأهل أو الظروف أو أشخاص آخرين... وربما إذا زال ذلك المؤثر الخارجي، يعود الطرفان المحبّان إلى نفس الطبيعة الأصلية، وهي الشارع ذي الاتجاه الواحد، لعل وعسى أن تنجح مساعيهما في تنظيم المرور فيه، مرة في هذا الاتجاه ومرة في الاتجاه الآخر.

ربما قالوا أن الحب أخذ وعطاء، ولكن حتى هذه الحالة لا تكاد تتغير في الحب، وهي تعطيه ذلك الطابع الغريب في أن يكون ذي اتجاه واحد، أو أن يكون من طرف واحد، لأنها في الغالب حالة عطاء من طرف وأخذ من الطرف الثاني، تضحية من طرف، واستمتاع بحاصل ونتيجة هذه التضحية من الطرف الثاني، وأحياناً تكون النصيحة من هنا أو هناك، له هو، أو لها هي، بأن يضع أحدهما أو كليهما مكابح وفرامل وعوامل توقيف وتبطئ لمشاعره أو مشاعرها إذا أراد أن تتحرك مشاعر الطرف الآخر أكثر، أو أن تظهر أكثر، أو لحمايتها من الخفوت ثم الاختفاء.

الحب أخذ وعطاء، ولكن في هذه الحالة عند أخذ طرف فإن الطرف الآخر يمنح، وربما تستمر الدورة على هذا النحو، في اتجاه واحد، لفترة ليست ببعيدة، وربما تستمر كذلك إلى الأبد، حتى يملّ الطرف الذي يعطي أو يستكفي الطرف الذي يأخذ، وينتهي كل شيء.

الوعي بهذه الخاصية مهم جداً، لأنه إذا وجد هو، أو وجدت هي، إنه أو أنها في علاقة من طرف واحد، أو أن العلاقة بينهما تتتابع وتتطور في شكل طرف يعطي كل شيء طوال الوقت، وطرف يأخذ كل شيء طوال الوقت، فإنه يجب وقتها تقييم هذه العلاقة ومعرفة إذا ما كان من الممكن إصلاح هيكلها وصيغتها لتكون متحركة في هذا الاتجاه مرة وذلك الاتجاه مرة، وبالتالي تتحرك مثل كرة التنس، تجيء وتذهب، فيستمر هذا الحب... أو أنها ستكون علاقة من طرف واحد، أو في اتجاه واحد، وتنتهي إلى الوصول ليس إلى شاطئ الطرف الآخر، ولكن إلى مكان جديد مفعم بالوحدة والملل والضجر، وقد غادر الذي كانت تحبه أو التي كان يحبها ذلك المكان إلى شارع آخر، قريب أو بعيد، مع شريك آخر...

احذر أن تسير في الاتجاه الخاطئ... شارع الحب ذو اتجاه واحد...

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً