أحمد عنتر يكتب: نجيب محفوظ.. المتصوف!

أحمد عنتر
أحمد عنتر
كتب : أهل مصر

"أن تكون حرا عن كل ما يعوقك عن الله مثل الأنانية والرأسمالية"، فتسير حاملا الله في قلبك، واثقا أن الإيمان لا يتشابه في قلوب المؤمنين، وأن ما تصنعه في الوجود إنما يمثل نفسك – وحدك - بمعذباتها ونعيمها، وأنت في هذا غارق في حب الإله لا تحيد عن الطريق ولا تنحرف إلا إمعانا في سرعة الوصول إليه، عبر منطق هائل جبار طاغية، ومن خلال تصور جامح مخلص للبشرية، ووجودها الذي أقره الخالق بحكمة ودون عبث أو هوى أو غواية.

هكذا كان يسير العلامة النابغة نجيب محفوظ في حياته، أو هكذا أحسب، فقد وضع الراحل الكبير أوراقه، لتحمل عنه عبء الشرح، شرح ما يثور في نفسه من تصوف، كان يراه إخباتا وانغماسا في الحياة، وطموحا في نيل السماء والخلود، وحتى في شرحه لما يجول في نفسه من خواطر، كتب عن درجات التصوف بأنها:

التوبة:

عن كل ما يبعد عن الله ومعانيه الأبدية.

المجاهدة:

أن تجاهد نوازع النفس التى تقعد بك عن العلم والفن والخير.

العزلة:

أن تعتزل الناس بالقدر اللازم لاستغلال قواك لخيرهم.

التقوى:

اتقاء ما يصد عن سبيل الله.

الورع:

ترك حتى الشبهة.

الزهد:

عدم الاستغلال المضر بالناس، ولكنه لا يمنع من الاستمتاع البريء بتراث الحضارة..وأن تستمتع بها، وأنت مقدر لما هو اسمي منها.

الصمت:

أن تكلم الله كثيرا.

الجوع:

لا تجعل من بطنك حملا ثقيلا على روحك.

الحرية:

أن تكون حرا من كل ما يعوقك عن الله، مثل الأنانية والرأسمالية.

التصوف:

أن يكون الله شغلك الشاغل ومحبوبك الدائم، فأنت تحصل الحقيقة والمعرفة لتعرف جانب الحق من ذاته، وأنت تحصل الرحمة والمحبة لتعرف جانب الخير من ذاته، وأنت تحصل الطبيعة والفن لتعرف جانب الجمال ذاته.

أو هو تحصيل الحق والخير والجمال لوجه الله لا للأنانية.

نجيب محفوظ كان معذبا في شخصياته وأطروحاته بروح القلق الفكري، كان قلقا من رؤية الناس لشخصيته، واعتمادهم عليه، وكان مشغولا بتجنب الأنانية وذبها عن نفسه بالانغماس في دس "الكيان الكبير الخارق"، الذي تستند إليه العباد والبلدان في أعمالهم كلها، كان مؤرَقا بألا ينشغل عن الحياة والخالق في الكلمة والسطر والرواية، ولم يكن اغترابه داخل أعماله العميقة فكرا وكتابة، إلا هروبا إلى الجماهير والمطحونين والتابعين.

نجيب محفوظ كان خائفا من أمر ما، ويمكن بقليل من الجهد معرفة أنه كان خائفا من التقهقر الإنساني، والفشل الذاتي، لذلك كان متعمقا في خلق شخصيات لا تؤمن بنفسها أو العالم، لتثمر الفروق بينها وبين العاديين مسار اختيار للقارئ السوي، بأن يتجنب شر الغارقين في الفوضى والعبثية ويلجأ إلى أن يكون عاديا، ليس خارقا ولكنه في الوقت نفسه، مهتم بالناس، غير متسلق عليهم، أو متواكل بينهم، وهو هنا – نجيب – يحاول عقلنة العالم والوصول إلى معنى وجوده، وترسيخ حكمة الموهبة التي منحها الخالق له من حسن بيان وإفاضة وتوجيه وفلسفة.

بعض شخصيات محفوظ الفلسفية أو المتصوفة، كانت مهمتها تسهيل الوصول إلى المعنى، معنى الحياة والوجود والخلق، وماهية تلك الدائرة التي دخلها الإنسان بلا حيلة أو اختيار، ففي روايته السكرية، كانت شخصيته التي صنعها على عينه، والمتمثلة في الفيلسوف "كمال أحمد عبد الجواد"، تعتبر أنه من الخطأ أن نبحث في الحياة عن معنى، بل إن المهمة الأسمى والأجل أن نخلق هذا المعنى ونقود الناس إليه، ونعمدّهم فيه، وهو هنا كما قلت يحاول تربية القارئ، كما فعل في روايته الشحاذ، التي خاض فيها البطل عمر الحمزاوي رحلة تتوافق مع إرادة نجيب محفوظ الفلسفية، إذ انغمس فى الملذات حينا والتصوف حينا آخر، لكنه ظل تائها داخل المعنى، تمام مثلما وقف حائرا أمام لوحة المرعى داخل عيادة الطبيب.

أفكار نجيب محفوظ، التي تختلط وتمتزج وتعيدها الوحدة والكتابة إلى الترتيب المنمق، ظهرت داخل عوامة "ثرثرة فوق النيل" عندما كان يتجادل أصدقاء العوامة حول معنى الحياة والوجود، وجدوى الإيمان والخلق، إذ علقت الصحفية سمارة بهجت، التي كانت تمثل القيم والأخلاق، المتشبثة بروح نجيب الفلسفية، على الجدل الدائر الذي يأكل القلوب والعقول، بأن "إرادة الحياة هي التي تجعلنا نتشبث بالحياة بالفعل ولو انتحرنا بعقولنا".

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
إعلام إسرائيلي: تل أبيب تدرس الاستئناف على قرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو