اعلان

محمد مختار يكتب عن إغلاق مدارس السودانيين في مصر .. لا تحرموا أطفال اللاجئين من التعليم إنهم أبناء أغلى الأشقاء

مدارس اللاجئين في مصر
مدارس اللاجئين في مصر

في قرار تنقصه الحنكة السياسية قبل الرحمة قررت السلطات إغلاق مدارس السودانيين في مصر، ومدارس السودانيين في مصر لمن لا يعرفها ليست مدارس بالمعنى المفهوم ولكنها أقرب إلى فصول دراسية مجمعة تشبه مراكز الدروس الخصوصية ولا تزيد عليها إلا في بعض التفاصيل التي تلزم طلابها من أطفال النازحين بارتداء زي موحد قدر المستطاع وفقا لإمكانيات كل أسرة، والحضور في نفس توقيتات اليوم الدراسي وتلقي تعليم شبه نظامي طول فترة الدراسة على أن تتم الامتحانات بمعرفة أو تحت إشراف السفارة السودانية في القاهرة ليحصلوا في نهاية كل عام دراسي على شهادة تعليمية موثقة تحمي أعمارهم من أن تتآكل بدون تعليم ، وحتى لا تضيع سنوات الحرب من عمر الأطفال وحرمانهم من التعليم لأعوام لا نعرف عددها لأننا ببساطة لا نعرف متي سوف تنتهي الحرب الأهلية المدمرة في السودان، وكانت حجة السلطات في قرارها بغلق هذه المدارس أنه يتوجب عليها أولا استكمال شروط التراخيص الحكومية، وهي شروط المدارس المصرية نفسها التي تملك مباني وإمكانيات أكبر من إمكانيات اللاجئين البسيطة لا تستكملها إلا بشق الأنفس.

استحالة توافر إمكانيات لهم لترخيص مباني دراسية مستقلة

لقد كان لدى اللاجئين السودانيين في مصر الوعي الكافي بأهمية التعليم وخطورة حرمان أطفالهم من الدراسة النظامية ، بالرغم من الوضع الكارثي الذي يعانون منه بعد أن فقدوا بيوتهم وأعمالهم في السودان، وجمع بعضهم مبالغ تمكنوا من خلالها من استئجار أدوار في بنايات بعضها بسيط وحولوها إلى فصول دراسية، هى فصول غير نظامية، وكلها غير مرخص، ولكنهم تعاملوا مع الموقف من مربع الممكن بالنظر لاستحالة توافر إمكانيات لهم لترخيص مباني دراسية مستقلة، وفي نفس الوقت لاستدراك ما فات من وقت حرم منه أطفال اللاجئين من التعليم بعد هروبهم من القتل والاغتصاب في أجواء الحرب الأهلية السودانية المستعرة .

مدارس اللاجئين في مصرمدارس اللاجئين في مصر

تغليب الحس السياسي والاجتماعي على القرارات البيروقراطية الجامدة

كان من الممكن على من اتخذ قرار غلق المدارس أو الفصول الدراسية السودانية أن يغلب الحس السياسي والاجتماعي على القرارات الحكومية البيروقراطية الجامدة، وأن يأخذ في اعتباره مستقل عشرات الآلاف من الأطفال الذين سيحرمون من التعليم لسنوات، وأسرهم من اللاجئين غير قادرين بالطبع على إلحاقهم بمدارس خاصة في ظل ظروف كارثية يمر بها هؤلاء الأشقاء الذين هم أغلى وأقرب الأشقاء إلى مصر وشعبها، وأنا اذكر حتى الان أنني في المدارس المجانية الحكومية التي تعلمت فيها بداية من مدرسة دار السعادة الابتدائية وحتى المدرسة الخديوية الثانوية العريقة، وهي أول وأعرق مدرسة ثانوية في العالم العربي بأسره وليس في مصر فقط، كان زملاء لنا من أبناء السودان يدرسون معنا على نفس المقاعد بالمجان، وكانت القرارات الحكومية في هذا الوقت بمعاملة الطلاب السودانيين، والفلسطينين والسوريين أيضا، معاملة الطلاب المصريين في مرحلة التعليم الأساسي، مع فرض رسوم زهيدة لا تتجاوز عشرات الجنيهات في المرحلة الثانوية .

لا يليق بمصر أخلاقيا وسياسيا أن تلقي للشارع أطفال في عمر الزهور

إن عشرات الآلاف من الأطفال السودانيين في مصر هم أبناء لنا، ولا يليق بنا ولا يليق بمصر أخلاقيا وسياسيا أن تتجاهل أزمتهم وتزيد هذه الأزمة تعقيدا بأن تلقي للشارع بأطفال في عمر الزهور يحتاجون إلى التعليم مثل حاجتهم إلى المأوى والغذاء، حتي لا تضيع سنوات عمرهم الغض بلا تعليم انتظارا لعودتهم للسودان الحبيب بعد أن تنتهي الحرب الأهلية المستعرة فيه، وهى حرب ما كان لها أن تشتعل وتستمر لو أن مصر حاضرة في المشهد السياسي السوداني كما ينبغي لها أن تحضر، وكما كانت حاضرة طوال التاريخ مع السودان الحبيب .

أين اتفاقية "الحريات الأربع" التي وقعتها مصر مع السودان عام 2004 ؟

إن بين مصر والسودان ليس مجرد علاقات جوار وسياسة بل هو مصير واحد مشترك، فالنار التي تشتغل في السودان نكتوي بها نحن في مصر، وإني أسأل من يهمه الأمر عن مصير اتفاقية 'الحريات الأربع' التي وقعتها مصر مع السودان عام 2004، والتي نصت على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك، وهى اتفاقية تتحول لجزء من القانون الداخلي لمصر والسودان

بمجرد التوقيع عليها، فلماذا نفرض على الأشقاء اللاجئين الفارين من السودان كل هذه الرسوم الباهظة للحصول على التأشيرة ثم الحصول على الإقامة، وهم بمقتضى هذه الاتفاقية لهم حق التنقل والإقامة والعمل والتملك مثلهم مثل المواطنين المصريين وهو حق متبادل كما نصت عليه هذه الاتفاقيات .

فلنترك لهم منافذ يتحركون من خلالها من أجل أطفال لا ذنب لهم فيما حدث لبلادهم

إني أناشد كل من له سلطة أن يعيد النظر في قرار غلق الفصول والمدارس السودانية في مصر، وأن نغمض أعيننا لوقت قصيرعن لوائح ونظم وقرارات بيروقراطية هى في الحقيقة لا يمكن تطبيقها في مثل هذه الظروف وهي أصلا غير مطبقة في كثير من جوانب حياتنا اليومية، وطالما أن لدينا في الفصول الدراسية الحكومية عجز حتى عن استيعاب الطلاب المصريين، وليس في مقدرونا أن نقدم أى دعم في ملف التعليم لأطفال اللاجئين، فلنترك لهم منافذ يتحركون من خلالها بإمكانياتهم البسيطة، من أجل أطفال لا ذنب لهم فيما حدث لبلادهم، ولا يجب أن يدفعوا ثمنه من سنوات حياتهم الغض بلا مدارس وبلا تعليم .

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً