اعلان

طارق متولي يكتب: فتش عن عوضين

طارق متولي
طارق متولي

شاب بسيط من عائلة فقيرة شق طريقه بصعوبة في الحياة لم يكمل تعليمه ، فقد حصل بصعوبة بالغة على دبلوم التجارة ثم راح يبحث عن عمل يوفر له قوت يومه ويساعد به أسرته المكونة من ستة أفراد الأب والأم وثلاثة من البنات الصغار في اعمار صغيرة متقاربة كان هو الولد الأكبر الوحيد ، توسط له ابوه الذي يعمل ساعيا في إحدي الشركات لدى صاحب الشركة الأستاذ محسن ليعمل كاتبا في الحسابات بمرتب ضئيل لكنه كان أفضل من لا شيء.

كان مستعدا أن يبذل اي شيء في سبيل توفير لقمة العيش له ولعائلته خصوصا أمه التى كانت تحاول كل يوم أن تدبر لهم شيئا يأكلوه حتى ولو كان خبزا مع بعض ثمار الخضروات ، لم يكن في مقدروهم توفير اكثر من ذلك. لم يعترض على الوظيفة البسيطة التى كانت أقرب إلى عامل بوفية يشتري الطلبات منها إلى كاتب حسابات ، ولا على المال القليل الذي يتحصل عليه كل آخر شهر.

كان يعمل بجد في تنفيذ أوامر الجميع مدير الحسابات الأستاذ عباس وصاحب الشركة وجميع الموظفين والإعتناء بطلباتهم دون تذمر حتى أصبح الجميع يثقوا به ويعطفوا ، حتى ان المدير كان يمنحه بعض الإعانات مكافأة له على طاعته وتفانيه في خدمته ، في الوقت نفسه تعلم حسابات الشركة وأصبح ملما بكل تفاصيلها من موظفين الحسابات القدامى الذين كانوا يساعدونه لرقة حالة ، في يوم حدثت مشادة بين الأستاذ عباس مدير الحسابات وبين الأستاذ محسن صاحب الشركة بسبب خلاف على بعض المصروفات عنف فيها صاحب الشركة مدير الحسابات ونعته بألفاظ مسيئة كعادته في التعامل مع الموظفين ونعتهم بالبهائم والحمير حتى عوضين الشاب الذي كان يحاول التقرب منه كثيرا ماكان يقول له انت حمار ..عندما يستفسر منه عن شيء على سبيل المزاح لكن عوضين كان يعتبر هذا بمثابة اطراء وحب من صاحب الشركة ويتقبل الإهانة بالضحك ، لكن الأستاذ عباس لم يتقبل الإهانة فقدم استقالته على الفور ، لم يعبأ صاحب الشركة به فقٍبل استقالته على الفور ، وفي لحظة انفتح لعوضين باب من السماء ، إذ ناداه صاحب الشركة وقال له مباشرة هل تستطيع أن تقوم بعمل مدير الحسابات يا حمار انت ؟ فرد عليه دون تردد : بالطبع سيادتكم انا تحت امر حضرتك ، فقال له : خلاص انت من النهاردة مدير الحسابات.

خرج عوضين من مكتب صاحب الشركة لايصدق نفسه ذهب إلى مكتب مدير الحسابات أمام ذهول جميع الموظفين فراح ينظر إليهم بتعالي وتكبر بعد ان كان يتذلل لهم ليعطوه اي عمل ، جمع موظفي قسم الحسابات واخبرهم انه من اليوم اصبح المدير وطلب منهم كل بيانات المناقصات الخاصة بالشركة ودفاتر الحسابات ليطلع على كل كبيرة وصغيرة.

بدأت مرحلة جديدة في حياة عوضين وزاد دخله بنسبة كبيرة وفي غضون سنوات قليلة اشترى سيارة جديدة وشقة تمليك اقترض ثمنها من صاحب الشركة على أن يسدد جزء من مرتبه كل شهر ، انتقل فيها هو وعائلته ، إستقال والده من العمل كساعي وفتح محل صغير لبيع الأدوات المكتبية دون أن يخبر أحد في الشركة.

بعد فترة لاحظ صاحب الشركة أن جميع مناقصات الشركة ترسو على شركة واحدة بعينها. لما سأل عوضين عن ذلك قال له بكل ثقة : أنهم يقدمون افضل العروض ويلتزمون بالتنفيذ والمواعيد سيادتكم. اقتنع بكلامه فهو لا يزال في نظره الشاب البسيط المسكين الذي يحافظ على عمله ولا يجرأ على السرقة او الخيانة. في يوم لم يكن عوضين موجود بالشركة ذهب أحد موظفي الحسابات إلى صاحب الشركة وطلب منه أن يحدثه بأمر هام. استقبله صاحب الشركة وسأله عن هذا الأمر الهام ، فأخرج له بعض الأوراق من ملف كان يحمله بيده توضح بعض التلاعب في عروض المناقصات فما كان من صاحب الشركة إلا أن نهره وطلب منه أن يرجع إلى عوضين في هذه المسائل ولا يأتي إليه مرة اخري.

عندما عاد عوضين وعرف بالأمر إستشاط غضبا من الموظف ونقله من ادارة الحسابات إلى قسم التليفونات بعد موافقة صاحب الشركة.

كانت أرباح الشركة تقل يوما بعد يوم وكان صاحب الشركة يرجع هذا لتقلبات السوق وكثرة المنافسين حسب ما أقنعه عوضين ، حتى فرغت حزانة الشركة تماما وراح السيد محسن يقترض من البنوك لاتمام عقود المناقصات لم يكن هناك ثمة اي شبهة في أوراق الشركة وحساباتها فكل العقود سليمة وقانونية ، ناقش عوضين في الأمر فقال له ان هذا راجع لزيادة التكلفة وقت التنفيذ.

ووعده أنه سيحاول في المرات القادمة ان يلزم الشركة المنفذة بأسعار اقل لتعويض الخسائر.

لكن للأسف لم تكن هناك مرات قادمة فالشركة لم تعد قادرة على تنفيذ اي مشاريع وهي مدينة للبنوك ولا تستطيع حتى أن تسدد ديونها.

توقف العمل بالشركة وسرح الأستاذ محسن غالبية الموظفين ولكن ظل عوضين بجانب الرجل طوال الوقت ، حتى لم يجد الأستاذ محسن مفر من الهروب خارج البلاد بعد ان صدرت أحكام ضده بالسجن لعدم سداد القروض.

بعدها ذهب عوضين الى مقر شركته الجديدة التى افتتحها ومعه بعض الموظفين القدامى من الشركة القديمة وراح يباشر مهام عمله تزين مكتبة لافتة الأستاذ عوضين رئيس مجلس الإدارة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً