كان موعدنا في أبريل 2025، في معرض بقاعة بوجينداي بالقاهرة، أن يفاجئنا طاهر عبد العظيم في معرض 'حكايات' بأنه المعرض الاكثر عمقا، والاكثر جراة، والاكثر تجريدا عن كل معارضه السابقة... يرسم طاهر عبد العظيم في هذا المعرض الحكاية المصرية بروحها بما ورائياتها، وليس بشخوصها وأشيائها المتعينة... إن كل شيء في المعرض يوحي بدرجة أعلى من التجريد، ومنظور أبعد عن المنظور الذي كان ينظر به طاهر عبد العظيم سابقا الى الحكاية والقصة والشعب والناس.
بوستر المعرضإن اللوحات الأحدث لطاهر عبد العظيم في هذا العام والسابق عليه وقد امتلأت بشكل كبير بالضربات القوية والقاسية اللون، مع تجريد لكل المعالم، بحيث تظهر فيما بينها حقائق لم تكن لتظهر دون هذه الدرجة من التجريد في الرؤية والقوة في التعبير.
لوحة
في احدى لوحاته البانوراميه الواسعة الرؤية والعميقة الدلالة يقف طاهر بعيدا عن المشهد، مجردا لما يشاهده في حالة واسعة من التعبير والتمثيل؛ شخوص باهتة لكنها حاضرة بقوة، ضربات من الفرشاة بالسكين بالغة العمق والدلالة... الاشياء دخلت في فلتر الذاكرة لتخرج الى اللوحة وكأنها بصمة قوية للعالم على سطح من التوال.
ورغم ان الطبيعة المشهدية تسيطر على المعرض كله وكل حكاياته، تتداخل فيما بينها، إلا أن بعض اللوحات تعطي انطباعات أقوى بتصور طاهر عبد العظيم عن العالم والمشهد فيما يتجاوز مجرد الشخوص وفيما يتعدى مجرد الهياكل والاجسام.
لوحة 2
إنها بانوراما تجري بمشهدية كاملة تحملها بعض اللوحات، ومنها تلك التي نصفها هنا.
الحقيقه هي أن طاهر عبد العظيم هو واحد من الفنانين القلائل، وربما يكون الأكثر تفردا بينهم، من الذين يستطيعون أن يدمجوا ما بين موتيفات مختلفة من حقب تاريخية متباينة، ومن تقاليد تشكيلية متفاوتة، لكي يصنع مزيجا واحدا يعطيه هوية مشتركة لكل منها جميعا.
قد تكون الميزة الأهم لدى أعمال طاهر عبد العظيم هي الجمع ما بين الموتيفات العربية والاسلامية والفرعونية والحديثة معا لتعطي لها معا صيغة مصرية خالصة، فتحس بأن هناك تجانسا وتوافقا وتتابعا في الذاكرة البصرية والقيم التشكيلية المصرية.
في هذه اللوحة، وكغيرها من لوحات طاهر عبد العظيم، استطاع بشكل مبدع أن يجمع ما بين هذه التركيبات التشكيلية المختلفة، بحيث يصبح الشكل الهرمي أو الرسم المثلث محتضنا، بكل قيمه الفرعونية، للحروف العربية، وبصيغه متناسقة تماما، وكأن الفراعنة كتبوا على أهرامهم حروفا عربية.
من جهه أخرى، نرى أن نماذج تشكيلية اسلامية تعلو هذا المشهد، كما أن صورة للحارة المصرية ولأحياء منطقة مصر القديمة بالقاهرة الفاطمية، تتواجد في اللوحة في أعلى اليمين في صورة كراسي المقهى التي نعرفها، وكأننا جالسون عليها نشاهد تاريخ مصر يتم عرضه أمامنا.
لقد أصبحت مصر بالنسبة لطاهر عبد العظيم بوتقة تنصهر فيها كل القيم الجمالية والتشكيلية والفنية، بحيث أنه يبدع في تضفيرها معا، بشكل ربما لم يستطع التعبير عنه أي فنان مصري آخر بنفس الدرجة.
ومن جهة أخرى، يحافظ طاهر عبد العظيم، في هذه اللوحة، على انتقائيته في التعبير باللون الذهبي، ويضع له تونات مختلفة، تتفاوت من الذهبي الصريح في يمين أسفل اللوحة، إلى الأصفر الذهبي في يسارها، وهو بذلك يغمر اللوحة بالضياء ويعطيها إشراقا يتمحور حول شعاع الشمس، الذي يضيء اللوحة من كل أركانها.
والأهم من ذلك هو أن طاهر يضع هذا الثقل الضوئي للون الذهبي ولشعاع الشمس في أعلى قمة الهرم، بحيث أن تكون هناك حركة للعين على أضلاع المثلث للوصول إلى أعلاه، ثم الالتقاء بهذا الضوء الذهبي القوي.
إنها الصيغه الطاهريه الخاص، التي يبدعها طاهر باعتباره مصريا أصيلا، وباعتباره فنانا تشكيليا تجاوز مرحلة التعبير المباشر إلى التدليل بالرمز، والتدليل بالخط واللون، والتبديل والتوفيق ما بين موتيفات مختلفة، والتضفير فيما بينها، بحيث تكون اللوحة ناطقة بأنها بحق من أعمال طاهر عبد العظيم.