ads
ads

مساعد الليثي يكتب: في مصر.. ماتت ثقافة الاختلاف فعاش الخلاف

مساعد الليثي
مساعد الليثي

في ظل تغييب دور الصحافة الحرة، وغياب قانون حرية تداول المعلومات، أصبح المصريون فريسة سهلة لمحاولات تغييب العقول وتشويه الحقائق، وخلط الأوراق، أصبح معظمهم مشتت الفكر يخلط بين المعلومة والرأي، الوطن والحاكم، والخلاف والاختلاف، أصبحوا تحت تأثير الأفكار المشوهة والروايات المضللة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي في كل المجالات، مهددين بفقد أهم ميزة تميز مصر والمصريين وهي ثقافة التعايش وتقبل الأخر مهما كان مستوى الاختلاف الفكري والعقائدي بينهم.

في ظل مشهد إعلامي عام يرفض التعددية، ويقتل ثقافة الاختلاف وتقبل الرأي والرأي الآخر، انقسم المصريين إما لمؤيد متطرف في تأييده، وإما لمعارض متطرف في معارضته، وكلاهما يريدونك نسخة منهم، تؤمن بأفكارهم وتصدق الأوهام التي بنوها على حطام أكاذيب يتعاملون معها وكأنها حقائق، وإن اختلفت معهم في الرأي أصبحت إما عدوا للوطن، أو منافقاً مطبلا للسلطة.

أصبحنا نواجه واقع مخيف من الخداع المعلوماتي والبصري، وخلط خطير للمفاهيم والمسميات، وتعميم أعمى يعمق الخلاف ويشعل الفتن.

خلط بين الدين و بعض منتسبيه، وخلط بين مفهوم الدولة أو الوطن والنظام الحاكم، خلط بين المعارضة لسياسات حكومية داخلية ودعم مخطط صهيوني واضح يستهدف الوطن، خلط بين تيارات فكرية متناقضة ومتصارعة تاريخياً لمجرد اتفاقها على موقف ما في ظروف ما.

معظم الناس لا تُقدر أبدا ثقافة الاختلاف، ولا تقبل سوى رأيها الذي غالباً ما يكون مشوه إما بمعلومات مغلوطة أو بنقص حاد في المعلومات الحقيقية، وإما بالتركيز على جزء صغير من الصورة، وعدم قراءة كل رسائل المشهد.

معظم الناس يريدون منك صورة مكررة منهم، من أفكارهم، من آراءهم، من تصوراتهم للمشهد، حتى لو كانت تصورات قاصرة مغلوطة، تعتمد على العاطفة، وتخضع للتوجيه، أكثر من كونها تصورات منطقية، تعتمد على تحليل دقيق لكل المعلومات المتعلقة بالمشهد، وأبعاده، ومقدرة لما يدور خلف الكواليس.

معظم الناس يصفقون لك إذا كان موقفك في وقت ما، متفق مع أهوائهم، ويعادونك إذا أخذتك موضوعيتك ورؤيتك وتقديرك للموقف لرأي مخالف لمعتقداتهم، فإذا كانوا معارضين، يريدونك معارضاً طوال الوقت، منتقداً طوال الوقت، غاضباً طوال الوقت، حتى ولو كان ذلك على حساب الوطن فقط كرها في النظام الحاكم، وإذا كانوا مؤيدين، يريدون منك تأييداً أعمى طوال الوقت، مطبّلا طوال الوقت، منافقا طوال الوقت لكي تحظى برضاهم السامي.

كل ما سبق وارد ويمكن حدوثه والتعايش معه بحكم التغييب المتعمد للمعلومات، والنقص الحاد في الشفافية، والتهميش الكامل لدور الصحافة في نشر الحقائق ومختلف التحليلات التي تنشر الوعي بين كل أطياف المجتمع.

أما غير المقبول، وغير المبرر، هو تحول الأمر من جانب البعض لعداء وخصومة وتربص وتشويه وكراهية لك لمجرد اختلاف رأيك معهم في موقف ما، والأغرب حدوث نفس الأمر مع من يكذبون وهم يعلمون أنهم يكذبون، وينافقون وهم يعلمون أنهم ينافقون، وفي نفس الوقت أنت عدو وتستحق منهم حملات التشويه طالما رفضت أن تكون كاذباً أو منافقاً مثلهم.

ولهؤلاء أقول كراهيتكم وعداءكم شرف لأصحاب المواقف الصادقة المدافعين عن الحق أينما كان، دون حسابات أو مصالح أو خوف من عواقب البوح بالحقيقة في وجه هواة التدليس والكذب.

أخيراً عودة الدور الحقيقي للصحافة في نشر الوعي وعرض كل الأراء وتحليل كل الأحداث والقرارات بموضوعية وحرية، هو السبيل الوحيد لمواجهة تخاريف وشائعات وسائل التواصل الاجتماعي التي تبث الجهل والكذب والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وتهدد تعايش المصريين التاريخي، وتقتل ثقافة الاختلاف مما يعزز الانقسام والكراهية.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً