ads
ads

محمد مختار يكتب عن وجه من عابدين: محمد عماد حمدي… الشاب آمن بالواقعية فطلب المستحيل وبنى جسرًا بين "الربح" و"الوطن"

محمد مختار
محمد مختار

في قلب القاهرة، حيث تصحو الحياة مع أول ضوء للشمس وتنام على ضجيجها، يقف حي عابدين شاهدًا على عصورٍ تعاقبت، وأجيالٍ صنعت مجدها بعرقها وصبرها. في هذا الحي الشعبي العتيق، الذي تتجاور فيه العمارات القديمة مع المقاهي، خرج شاب اسمه محمد عماد حمدي، يبدو من الخارج كأي عامل بناء أو مقاول صغير، لكنه في جوهره مشروع إنساني متكامل، يحلم أن يجعل من مهنته نافذةً للكرامة، لا مجرد بابٍ للرزق.

بداية الحلم من بين الطوب والرمل

ولد محمد عماد في عائلة بسيطة عرفت معنى الكفاح منذ الصغر. لم يرث عن أبيه ثروة، بل ورث عنه خُلق المهنة وحب الشغل. بدأ حياته بين ورش صغيرة، يحمل على كتفيه أدوات العمل، ويتنقل من موقع إلى آخر، يلاحق لقمة العيش بشرف. لكنه لم يكن كسائر العمال الذين يقضون يومهم في الصمت وينتظرون الأجر. كان يتأمل كل شيء: كيف تُبنى الحوائط، كيف تُدار المشروعات، كيف يُعامل الناس بعضهم بعضًا.

ومن بين هذه التفاصيل الصغيرة، بدأ الحلم يكبر في قلبه. حلم أن يصبح مقاولًا ناجحًا، لكن بنكهة مختلفة. مقاول يبني بيوتًا، نعم، لكنه يبني أيضًا ثقةً بين الناس، واحترامًا للمهنة، وإيمانًا بأن العمل يمكن أن يكون رسالة.

محمد عماد حمديمحمد عماد حمديحين بدأ محمد عماد عمله الخاص، لم يكن يملك سوى أدواته البسيطة وبعض الخبرة، لكنه كان يملك ما هو أهم: الإصرار.

كثيرون سخروا من طموحه، وقالوا له: 'المجال ده صعب، والمنافسة شرسة.' لكنه لم يرد بالكلام، بل بالعمل. بدأ في إصلاح منازل متهالكة لعائلات فقيرة في الحي دون مقابل أحيانًا، مؤمنًا أن كل خدمة صادقة تعود لاحقًا مضاعفة. وهكذا صار اسمه معروفًا في أزقة عابدين، لا كمقاول يبحث عن الربح، بل كصاحب موقف.

كانت فلسفته بسيطة: 'اللي يشتغل بإخلاص عمر التعب ما يضيّعه.'

شيئًا فشيئًا، توسع عمله، وبدأ يتسلم مشروعات أكبر. لكنه لم ينسَ من أين بدأ، ولا مَن كان معه في أول الطريق. ظل يُشرك أبناء الحي في كل خطوة، يفتح أمامهم فرص العمل والتدريب، ويعاملهم لا كموظفين بل كشركاء.

حين يتحول العمل إلى رسالة

النجاح، في عرف محمد عماد، ليس في عدد الطوابق التي بناها، ولا في حجم الأرباح التي حققها، بل في عدد الوجوه التي ابتسمت بسببه. لذلك أسس مبادرة شبابية سماها 'إيد تبني وإيد تعلّم'، هدفها تدريب الشباب على مهن البناء والديكور والتشطيبات الحديثة.

بدأ المشروع بمجموعة صغيرة من المتدربين، يعمل معهم بنفسه في مواقع التنفيذ، يعلمهم أصول المهنة ويغرس فيهم حب العمل. لم يكن يعطيهم دروسًا نظرية، بل دروسًا في الحياة: الانضباط، الدقة، احترام الوقت، وإتقان التفاصيل الصغيرة. اللافت في شخصية محمد عماد أنه لا يرى في العامل 'يدًا عاملة' فقط، بل إنسانًا له حق في الاحترام والتقدير. مكتبه مفتوح للجميع، وأحاديثه معهم تبدأ دائمًا بالسؤال عن أحوالهم قبل العمل.

في إحدى المرات، حكى أحد العمال أنه لم يكن يجد وسيلة لعلاج ابنه المريض، فما كان من عماد إلا أن تكفل بعلاجه دون أن يخبر أحدًا. لم يعتبرها منّةً ولا دعاية، بل واجبًا إنسانيًا. يقول دائمًا:

"اللي بيشتغل معايا مش موظف… ده واحد شايل معايا الحِمل."

من هنا، يمكن فهم سر حب الناس له. فهو لا يتعامل بلغة الأوامر، بل بلغة المشاركة. يراه العمال بينهم، يحمل معهم، يناقشهم، يصغي إلى اقتراحاتهم، ويؤمن أن العمل الجماعي هو ما يجعل أي مشروع ناجحًا. اللافت أن من يتأمل عمله يكتشف أنه يتعامل مع البناء كما يتعامل الفنان مع لوحته. يهتم بالتفاصيل الجمالية، بالخطوط والألوان وتناسق المساحات. يقول إن الجمال ليس رفاهية، بل ضرورة، لأن الجدران الجميلة تُغيّر نفسية الناس.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
بث مباشر مباراة الزمالك وديكيداها الصومالي (6-0) في الكونفدرالية (لحظة بلحظة) | السادس سيف جعفر