ads
ads

اكتب لكم عن حمزة ... الفنان المندهش والمدهش صاحب حرارة الحلم الأول

محمد مختار
محمد مختار

في زمنٍ تتشابه فيه الوجوه وتختلف فيه المصائر، يظهر شاب صغير يحمل في قلبه حلماً أكبر من سنّه. لا يمتلك واسطة ولا تاريخاً عائلياً في الفن، لكنه يمتلك شيئاً لا يُشترى ولا يُكتسب بسهولة: الإصرار الصادق على أن يصبح شيئاً في عالمٍ لا ينتظر أحداً.

ذلك الشاب اسمه حمزة أحمد ، من مواليد القاهرة في الثامن من سبتمبر عام 2006. قد تبدو سيرته بسيطة، لكنها تشبه تلك القصص التي كان مصطفى أمين يحب أن يكتب عنها — قصص الناس العاديين الذين يحملون في قلوبهم وهجاً غير عادي.

طفولة بين المدن… والنيل والبحر أصدقاء البداية

ولد في القاهرة، لكنه لم يعرف طويلاً دفء العاصمة. انتقل مع أسرته إلى الأقصر، مدينة التاريخ والقداسة، حيث ترقد آلاف الحكايات بين جدران المعابد، ويتنفس الناس عبق الحضارة كل صباح. هناك، بين حجارة الفراعنة وصمت النيل، تعلم معنى العراقة، وإن لم يكن يدركه بعد بالكلمات.

ثم شاءت الأقدار أن ينتقل إلى الغردقة، المدينة التي تجمع زرقة البحر بحمرة الجبال. عاش هناك اثنتي عشرة سنة كاملة، كان البحر خلالها صديقه الأول، والسماء الواسعة مرآته اليومية. في تلك السنوات الطويلة، تفتحت عينيه على اتساع الأفق، وتعلّم أن الحلم لا يُحب الجدران، بل يحتاج إلى مساحةٍ تشبه الموج — تقترب وتبتعد، لكنها لا تتوقف أبداً.

في الغردقة، لم يكن الفن موجوداً في شكل مسرح أو كاميرا، لكنه كان يسكن في كل حركةٍ من حوله: في وجه صيادٍ يعود من البحر، في ضحكة طفلٍ على الشاطئ، في الموسيقى التي تصدرها الأمواج حين تصطدم بالصخر. هناك بدأت البذرة الأولى، بغير قصد، تنبت في داخله.

العودة إلى القاهرة… وموعد مع الحلم

حين بلغ سن المراهقة، عادت الأسرة إلى القاهرة. المدينة التي لا تنام، ولا تترك أحداً ينام أيضاً. هناك، في الزحام، بدأ يشعر بأن شيئاً ما يناديه. لم يكن يعرف بعد أن ذلك الشيء اسمه المسرح.

وذات مساء، كان يتصفح “فيسبوك” بلا هدف محدد، كما يفعل ملايين الشباب، فوقع بصره على إعلانٍ صغير عن ورشة تمثيل. كتب الإعلان: “فرصة للمواهب الجديدة… شارك الآن”. قرأ العبارة أكثر من مرة، ثم قال لنفسه: “ليه لأ؟ أجرب، ومش هخسر حاجة.”

لم يكن يتوقع أن التجربة ستغيّر حياته. تواصل مع القائمين على الورشة، حدّدوا له موعداً للاختبار، فذهب بقلبٍ خائفٍ وعقلٍ متردد. كان يدرك أنه يدخل عالماً جديداً لا يعرف عنه شيئاً.

حمزة أحمدحمزة أحمد

الأوديشن الأول… والخطوة التي لا تُنسى

حين وقف أمام لجنة الاختبار، لم يكن يعرف من أين يبدأ. قال لهم بصراحةٍ صبيانيةٍ محببة: “أنا أول مرة أعمل كده، بس نفسي أجرب.” طلبوا منه أن يمثل مشهداً بسيطاً. فعل ما يستطيع، وانتهى الأمر. خرج من القاعة وهو يضحك لنفسه قائلاً: “أكيد محدش هيكلمني.”

لكن القدر كان له رأي آخر. في اليوم التالي، تلقى مكالمة لم ينسها قط. على الطرف الآخر كان المخرج يقول له:

“مبروك… اتقبلت.”

كانت الكلمات قصيرة، لكنها فتحت أمامه أبواباً واسعة للحلم. لم يصدق نفسه، وظل يكرر الجملة في ذهنه كأنها نشيدٌ خاص. في تلك اللحظة، لم يكن مجرد شابٍ قُبل في ورشة تمثيل، بل كان حلمًا وُلِد رسميًا.

ثلاث مسرحيات… وميلاد فنان

ومن هنا بدأت الرحلة. وقف على خشبة المسرح ثلاث مرات، لكن كل مرة كانت بمثابة حياةٍ كاملة. المرة الأولى كانت رعبًا جميلاً؛ المرة الثانية كانت ثقةً خجولة؛ والمرة الثالثة كانت حبًّا صافياً للمكان الذي صار بيته الثاني.

يقول بابتسامةٍ خفيفة لا تخلو من الحنين:

“أنا وقفت تلت مرات على المسرح، وحلمي أكون مشهور وممثل كبير في السينما.”

كلماته بسيطة، لكنها تخرج من القلب، وتذكّرك بأولئك الفنانين الكبار الذين بدأوا من لا شيء وصنعوا لأنفسهم تاريخاً لا يُنسى.

المسرح… بيت الحلم الأول

حين يسأله أحد عن أكثر ما أحبه في تجربته، لا يتردد لحظة:

“قابلت ناس كتير، بس بتوع المسرح اللي قابلتهم هما أحسن ناس عرفتها في حياتي.”

في هذه الجملة القصيرة يكمن سرّ الفن كلّه. فالمسرح لا يربط الناس فقط بنصٍ مكتوب أو دورٍ محفوظ، بل يجعلهم عائلة تؤمن بنفس الضوء.

وهو، رغم حداثة عمره، فهم ذلك مبكراً. أدرك أن الفن ليس شهرةً فورية، بل رحلة طويلة من الصدق، والانضباط، والتجربة.

على خشبة المسرح، اكتشف صوته الحقيقي. هناك لم يعد “شاباً عادياً”، بل صار شخصيةً أخرى — واحدة من تلك الشخصيات التي كان يشاهدها في صغره على الشاشة، ويظن أنها من عالمٍ آخر. اليوم، هو نفسه يصنع هذا العالم من الداخل.

ليس سهلاً أن تبدأ في هذا العمر المبكر، في وسطٍ مزدحمٍ بالمنافسة والشكوك. لكنه يملك ما هو أهم من الخبرة: النية الخالصة.

حين يتحدث عن نفسه، لا يدّعي البطولة، بل يتحدث كمن يخوض مغامرةً جديدة كل يوم. يقول:

“مكنتش مصدق إن في يوم هقف على المسرح. بس لما وقفت، حسّيت إن دي مكاني.”

وهكذا تبدأ كل القصص الجميلة: بشعورٍ بسيطٍ وصادقٍ بأنك وجدت نفسك أخيراً.

من الغردقة إلى السينما… الطريق ما زال في أوله

الآن، وقد عرف طعم الخشبة وأضواءها، صار الحلم أكبر. يريد أن يرى اسمه على شاشات السينما، أن يعيش بين الكاميرات كما عاش بين أمواج البحر في طفولته.

يقولها بثقةٍ حالمة:

“نفسي أكون مشهور وممثل كبير في السينما.”

لكن في نبرته ما هو أعمق من الشهرة؛ هناك رغبة في أن يُسمع صوته، أن يترك أثراً، أن يعيش في ذاكرة الناس ولو بمشهدٍ واحد صادق.

هو يعرف أن الطريق طويل، لكنه لا يخاف من طوله، لأن أول خطوة كانت أصعب، وقد قطعها بالفعل.

الشهرة ليست الهدف… بل الصدق هو البداية

كثيرون يسعون إلى النجومية بحثاً عن الضوء، لكنه يسعى إليها بحثاً عن ذاته. لم يدخل الفن هرباً من الواقع، بل بحثاً عن معنى للحياة بداخله.

وفي هذا المعنى البسيط يكمن جوهر كل فنانٍ حقيقي.

فالفن “ليس مهنة، بل قدر”.

وهو يبدو من هؤلاء الذين اختارهم القدر مبكراً، لا ليكونوا نجومًا بين ليلة وضحاها، بل ليبنوا حلمهم حجرًا فوق حجر، مشهدًا بعد مشهد.

خاتمة: حين يصدق الشاب نفسه… يصدّقه المسرح

ربما بعد سنوات، حين يسطع اسمه على الشاشات وتتعالى التصفيقات، سنتذكر هذا الفتى الذي بدأ كل شيء بمكالمةٍ لم يكن يتوقعها.

سنقول إن أول حلمٍ صدقه صار واقعاً.

فكل نجمٍ كان ذات يومٍ هاوياً، وكل هاوٍ صادقٍ يستحق أن يكون نجماً.

وهو واحدٌ من هؤلاء الذين يصدقون أنفسهم، فيصدقهم الفن، وتفتح لهم الحياة باباً نحو الضوء.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً