نحن اليوم في عصر تتسابق فيه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، عصر يُوهمنا بأن كل شيء يمكن حله بضغطة زر، وأن كل معرفة يمكن الوصول إليها بسهولة. التطور أمر رائع، يريحنا ويختصر علينا الجهد، لكنه يحمل في طياته سؤالًا كبيرًا: هل نحن من يملك أدواتنا، أم أدواتنا هي التي تملكنا؟
التكنولوجيا، بما فيها من ذكاء صناعي متقدم، صُممت لتساعد الإنسان، لتسهل عليه حياته، لتوفر له الوقت، وتفتح أمامه آفاقًا جديدة من المعرفة. لكنها في الوقت ذاته قد تتحول إلى سجن ذهني، إذا اعتمدنا عليها في كل شيء، وقلّلنا من استخدام عقولنا في التفكير والتحليل والابتكار.
هناك خطر حقيقي أن نصل إلى مرحلة يصبح فيها الإبداع مجرد نسخة مكررة لما توفره الأجهزة، وأن تتوقف محاولاتنا للبحث العميق والتأمل والقراءة الواعية. أن تصبح حياتنا مجرد استهلاك جاهز، بلا مجهود ذهني، بلا أسئلة، بلا تفكير. هذا هو الركود الذي يمكن أن تسببه التكنولوجيا إذا فقدنا السيطرة على استخدامها.
لكن الجانب الإيجابي لا يُمكن تجاهله. التكنولوجيا أداة قوية، يمكن أن تكون مرآة لعقل الإنسان، وسندًا له في تطوير ذاته، إذا عرف كيف يستخدمها دون أن يستسلم لها. القوة الحقيقية للإنسان تكمن في وعيه، في قدرته على التفكير النقدي، في رغبته في التعلم والابتكار، وفي حفاظه على عقله نشطًا، حتى مع وجود كل هذه الوسائل حوله.
لكن الخطر لا يختفي، فهو موجود بيننا بالفعل. هناك من أصبحوا يستخدمون الذكاء الصناعي والتكنولوجيا كبديل كامل لعقولهم، مجرد أن يطلبوا شيئًا يجدونه جاهزًا، ينقلونه كما وجدوه، ويقدموه دون أي مجهود ذهني، وكأنهم نسوا أنّ الإنسان خلق ليبدع، ليستكشف، وليفكر. هذا الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا قد يتحول إلى كارثة حقيقية، ويضعف القدرة على البناء العقلي والروحي للإنسان، المخلوق الذي خلقه الله ليكون فاعلًا ومبدعًا على الأرض. التكنولوجيا صُممت لتساعدنا، لا لتلغي وجودنا العقلي أو لتوقف تطورنا كأفراد ومجتمعات. علينا أن نحذر، ونستخدمها بحكمة، لأن المستقبل الذي نصنعه اليوم يعتمد على عقولنا، لا على الأجهزة وحدها.
إنها دعوة لكل منا، لننظر بعين العقل إلى أدواتنا، لنحافظ على التفكير، ولنضمن أن يكون التطور حافزًا للبناء، لا سببًا للكسل والركود.