اعلان

مروان يونس يكتب: ما بين كورونا وترامب وانتخابات البرلمان

مروان يونس
مروان يونس

انتظر كثير من المصريين إعادة إنتاج مشهد سياسي جديد مناسب لما يمر بمصر والمنطقة من تحديات كبيرة، سواء الاقتصادي منها والناتج من أزمة كوفيد-19 او كورونا، تلك الأزمة التي أثرت بشكل كبير على حركة الإنتاج حول العالم، وارتفعت معها أرقام البطالة، وانخفضت معدلات النمو الاقتصادي، تلك التقلبات التي طالت الجميع على حد سواء من الدول العظمي أو الاقتصادات الناشئة والدول النامية.

وكان لتلك الأزمة عدة أشكال من التداعيات الاقتصادية والآثار، وهنا قد أخص بالذكر الولايات المتحدة، والتي لسياساتها الداخلية أثر كبير على ما يدور حول العالم في العموم ومصر بالخصوص.

فلا يمكن أن ينكر أحد أن الولايات المتحدة وهي أحد أكبر الدول اقتصاديا وأكثر المواطنين رفاهية واستهلاكا حول العالم، بدأت تعاني من انخفاض رقمي بالناتج المحلي وزيادة في أرقام البطالة وانخفاض في معدلات الاستهلاك بشكل ملحوظ، بل وتغير في سلوك المواطن الأمريكي نتج بسبب آثار الخوف والريبة من الفيروس أو توابعه، وعدم الثقة في إمكانية عودة الأمور والحياة لشكلها الطبيعي لما قبل كورونا.

ومن جراء تلك التداعيات الاقتصادية بدأت تظهر لها ردود فعل سياسية، فقد أصبح الرئيس ترامب الآن، وهو الذي وعد المواطن الأمريكي بعودة الولايات المتحدة كعاصمة للإنتاج، وعودة الاستثمارات من الصين، ورفع مستوى المعيشة والنمو، مقوض الأيدي عن الالتزام بتلك الوعود.

فبسبب الظروف الحالية، فتح الباب لبايدن، وهو المرشح الديمقراطي، ليقدم نفسه، بل ويحاول الظهور بمقترحات جديدة مخالفة لسياسات ترامب، بغرض الخروج من الأزمة، ومنه بدأ في جذب الناخبين لطريق جديد تماما خلاف الطريق السالف لدونالد ترامب، ولم تتوقف مكاسب الديمقراطيين من كورونا سياسيا عند هذا الحد، بل بدأوا الاستفادة اجتماعيا وسياسيا من سياسات ترامب التي كانت منحازة لمجموعته السياسية من المواطنين الأمريكيين أو رجال الأعمال، فبدأوا تقديم وجبة سياسية للمواطن الأمريكي عن كيفية تقويض هذا الانحياز والخروج من هذا الاستقطاب، بل قدموا عدة رسائل أيضا لانحيازات ترامب الخارجية، وهي أن هذا زمن ما بعد ترامب.

ومنه، فقد أصبح الناتج السياسي الأمريكي للانتخابات القادمة شديد الأهمية، فخلال الشهور القادمة سنكون أمام انتخابات ثلاثية الأبعاد، واحدة للرئاسة وواحدة للتجديد الجزئي بمجلس الشيوخ وواحدة لتجديد شامل لمجلس النواب، ومن ثم قد نكون أمام احتمالين، الأول هو حصول الديمقراطيين على أغلبية بالمجلسين وفوز ترامب، وهو الاحتمال الأقرب، أو فوز بايدن ووجود أغلبية ديمقراطية للمجلسين، وهو الاحتمال شديد الخطورة على النظام في مصر.

لست هنا للترويج لترامب أو لبايدن، فكلاهما لديه نفس الأجندة الدولية ونفس الأهداف، ويكمن الاختلاف بينهما فقط حول كيفية تحقيقها وترتيب أولوية الضغوط على مصر.

ففي وجود ترامب ومجلسين من الأغلبية الديمقراطية سيكون ملف الضغوط الأهم هو الاقتصادي ثم الأمني على الحدود، ويليه ملف السياسي الداخلي، غرضا منهم لإبقاء الدولة بحالة اهتزاز وعوز أولا، وريبة سياسية ثانيا، لإخضاع النظام المصري لأجندتهم الخطرة سواء حول مآرب إسرائيل أو صفقة القرن أو الملف الليبي وملف المياه وتقسيم الدول العربية، أما في حالة اختفاء ترامب عن المشهد، وهو الاحتمال الأقل، فتمرير تلك الأجندة سيكون من خلال البدء بعملية الضغط السياسي على النظام أولا، من خلال اختلاق فوضى سياسية لفرض الإخوان على المشهد، أو ملاحقة مصر ونظامها سياسيا وفي كل المحافل الدولية بانتقاص شرعية أي إجراءات انتخابية وسياسية داخلية، وصولا لملف حقوق الإنسان والمضي قدما ومجددا في محاولة فرض كل العقوبات الممكنة.

وعودة لبداية المقال حول الإصلاح السياسي، أو للتدقيق في الوصف "التعامل السياسي للدولة مع الانتخابات القادمة"، والذي ندعو فيه لكل الحذر، فقضايا الديمقراطية والتعددية والإعلام والحقوقية لابد أن يوليها النظام الآن كل الرعاية، ونحاول البحث والتدقيق مبكرا عن تلافي أي أخطاء أو ثغرات لإغلاقها بشكل يعفى مصر من تلك الضغوط، فلن يكون ملف السياسة الداخلية غائبا حتى في حالة سيطرة الديمقراطيين على المجلسين.

ونهاية، أدعو كل أولي الأمر من القائمين على السياسة في مصر سواء من الأحزاب أو من جهات الدولة المنظمة لتلك الانتخابات، الانتباه جيدا لسيناريو الضغوط المتوقع من الخارج، فإن بقى ترامب فلن يكون هو نفسه ترامب في الفترة الأولى، وإن فاز بايدن فالوضع قد تغير بالكامل، ومنه فأصبح فرض عين على القائمين على الدولة النظر بعمق وتأنٍّ لكل ما سيتم من إجراءات متلازمة مع دعوة الناخبين لانتخابات البرلمان، سواء الإجراءات السياسية أو الإعلامية أو كيفية تحفيز الناخبين للتصويت لتكتمل شرعية تلك الانتخابات، فالاكتفاء بـ10% من الأصوات من المؤيدين المخلصين في ظل عدم وجود منافسة جادة أو ألوان سياسية لن يكون طريقا للخروج خارج دائرة الضغوط الحتمية القادمة، فالاعتماد المطلق على سياسات ترامب الخارجية محل شك، وتأثير الديمقراطيين القادم على صنع القرار لا يمكن إغفاله.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً