أيامنا الحلوة..أزواج صائمون!

محمود خليل
محمود خليل

تنسحِب بركات الشهر الكريم على كل جوانب حياتنا إجتماعياً ومادياً وروحانياً، فنرى التغيير للأفضل ونكتشف معانى جديدة فى أشياء ظلت جامدة بلا حياه على مدار العام حتى جاء رَمَضان فأحياها وأزال عنها الصدأ، وما حياتنا الزوجية إلا شئ من ضمن الأشياء التى يلمسها رَمَضان لمسة حنان ورحمة كل عام فتُصبح أرقى وأجمل وأنبل.

وفريضة الصيام تتعلق تعلقاً مباشراً بالزواج كونه يمنع الزوج والزوجة من العلاقة الزوجية المُباشرة فى نهار رَمَضان ، غير أن تأثير رَمَضان والصيام على العلاقة الزوجية يتعدى المعنى المُباشر للصيام وهو الإنقطاع، فالواقع أن رَمَضان يَصِل أكثر ما يقطع،و يُقرّب أكثر مما يُبعد وهو يوطد العلاقة بين الزوجين بدلاً من أن يُضعفها.

ويصوم الفرد مِنا عن الطعام والشراب والعلاقة الزوجية فى نهار رَمَضان ،وطبيعتنا البشرية تجعلنا نشعر بقيمة الشئ فقد عندما نُحرَم منه، ورغم أن كل شئ يعود مُباحاً بعد إنقضاء ساعات الصيام إلا أن الصائم يفقد رفاهية إختيار التوقيت فى نهار رمضان، فيستشعر قيمة التواصل العاطفى مع الطرف الأخر وقتما أراد وهو الشئ الذى كان مُتاحاً له فى الأيام العادية، فتزيد قيمة شريك الحياه فى نظره، ويستشعر نعمة طال تواجدها بجانبه وأمامه دون التقدير المُناسب.

ويُكرَه فى الصيام التواصل العاطفى الجسدى المُمهِد للعلاقة الكاملة ، وهو التواصل الذى يُخشى معه فقدان السيطرة على النفس مما قد يؤدى إلى التمادى فى العلاقة إلى نهايتها وهو ما يُبطل الصيام ويُفسده، وقد تفهَّم الدين طبيعة النفس البشرية وضعفها فى بعض الأحيان أمام الغريزة فأجاز القضاء والكفارة لمن لم يستطع التَحكم فى نفسه ومضى فى العلاقة إلى أخرها، وذلك فى الحديث المشهور عندما أجاز الرسول ذلك الحُكم لأحد الصحابة عندما جاءه حزيناً من ضعف نفسه أمام رغبته وغريزته.

ويَفرِض هذا المنع على الزوجين اللجوء إلى التواصل بطرق أخرى تعبيراً عن الإشتياق والمودة، فيتواصلا بالكلمات الطيبة الرقيقة واللمسات الحانية والمُشاركة فى المهام المنزلية إظهاراً منهما للمودة والحب (فى حدود المُتاح) وهو ما يُثرى العلاقة الزوجية ويٌكسبها بعداً روحانياً جميلاً.

وتتركز أغلب أسئلة الأزواج الفقهية فى البرامج التليفزيونية الدينية وجلسات العِلم والفِقه حول ما يجب وما لا يجب فى شئون العلاقة الزوجية أثناء الصيام وبعده، وما هذا إلا دليل على أثر الصيام فى تنبيه الزوجين إلى نعمة التواصل اللا مشروط التى يستمتعان بها طوال العام.

وتسمح أحكام الصيام بالعلاقة الزوجية من بعد غروب الشمس وحتى الفجر، ولا يُشترط الإغتسال قبل الفجر بل سمحت الأحكام للزوج والزوجة بالنوم بلا إغتسال، على أن يكون الإغتسال بعد الإستيقاظ، أى أن الشَرع أطال فترة السماح بالتواصل الجسدى بين الزوجين حتى أخر دقيقة قبل طلوع الفجر ثم سَمَح لهما بالراحة بعد التواصل حتى صباح اليوم التالى وذلك من باب التيسير على الصائمين والسماح لهم بالإستمتاع بالعلاقة قدر المُستطاع.

ويشعر الزوج الصائم بمُعاناه زوجته وهى تقف طوال صيامها مُنهمكة فى تحضير طعام الإفطار أمام حرارة الموقد وروائح الأكل ويتعجب من قُدرتها على التحمل فضلاً عن إدارتها لباقى شئون البيت والأبناء، كل ذلك تفعله وهى صائمة وهى الأنثى الضعيفة بينما يعود هو من عَملِه مُنهكاً يبحث عن السرير ليُلقى عليه جسده المُتعب حتى الإفطار وهو الرجُل القوى.

وتَشعر الزوجة بمعاناه زوجها فى العمل وهو صائم وتتعجب من قدرته على التفكير فى الأمور الكبيرة وإتخاذ القرارات فضلاً عن إضطراره للتعامل مع حرارة الجو ومشاكل المرور، وتُشفق عليه أكثر عندما تضطره إحتياجات البيت للمرور على المحلات ليبتاع لها ما طلبته من أشياء لازمة.

ويتأمل الزوج فى حالِ زوجته حتى فى حال إفطارها بسبب أعذارها الشرعية فيجدها تُعطى وتجتهد رغم كونها فى قمة الضَعْف والوهَن، فتتجسد الرحمة فى قلبِه ووجدانِه ويبذل ما فى وسعِه لمُساعدة هذه الزوجه المُتعَبة.

ويجتمع الإثنان على مائدة الإفطار فيشعر كل منهما بقيمة ما بُذِل لأجل هذه اللحظة، إذ تستشعر الزوجة ما أنفقه زوجها من جُهد ومال من أجل تلك اللحظة ، ويستشعر هو على ما بذلته هى من جهد فى إعداد ما يتناولونه، ويتبارى الإثنان فى تقديم أطيب ما على المائدة للأخر طالباً منه ألا ينسى نفسه.

وتُسهم مواعيد الوجبات المُنظَمة بين إفطار وسحور فى لم شمل الأسرة على مائدة واحدة فيزداد التقارب والود بين أفراد الأسرة وتنفتح مجالات الحوار وتَفَقُد الأحوال بين الجميع بعد طول تَفرق رُبما بسبب إختلاف مواعيد العمل والدراسة.

ونخرج من الشهر الكريم ونحن أكثر إرتباطاً وصِلة أملِين أن تكون أيامنا بعده كلها حلوة كحلاوته.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً