أيامنا الحلوة.. الشجاعة

محمود خليل
محمود خليل

إختلطت المفاهيم فى أغلب الأشياء فى زماننا ولم نَعُد نُفَرِق بين الغَث (أى الفاسد الغير جيد) والسمين، وقد إختلطت المفاهيم لأننا ببساطة لم نَعُد نُعطى لأنفسنا الفرصة لنفهم الفرق بينهما، ولا عُذر لنا فى ذلك فقد أصبحت المعلومات مُتوفرة ويستطيع الواحد منا أن يستدعى ما قاله العُلماء والحُكماء وقبلها ما قاله الدين الحنيف بضغطة زر، وقد ضاع فيما ضاع من مفاهيم الفَرق بين الشجاعة والتهور!

وتَكمُن قيمة الشجاعة فى أنها القدرة على مواجهة الخَطَر بالقَلب والعَقْل معاًقبل الإنتقال لمرحلة الفِعل والتنفيذ، فالمواجهة هى البداية إذ أن الهروب جُبن وهو يُخرجك أصلاً من دائرة المقارنة بين الشجاعة والتهور فالهارب جبان فلا هو بشجاع ولا بمُتهور! فإن قررت مواجهة الخَطَر فعليك مواجهته بقلبِك وعقلك، فلا بُد أن تستشعر الخَطَر بقلبِك أولاً وإلا صرت ميتاً غير حي! وإستشعار الخطر بالقلب هو ما يُحرك العقل ثم الجوارح لتُنفِذ.

أما التهور فهو الإنتقال مُباشرة من مرحلة إستشعار الخَطَر بالقلب لمرحلة التنفيذ دون المرور على العقل، فيُلقى صاحب المال بنفسه فى النار المُشتعلة فى مالِه مثلاً فيخسر ماله وحياته معاً، ويخرج الجُندى المُنفرد على عدوه الكثير العَدد بلا خطة ولا إعداد فيُقتَل من فوره فيخسر حياته ويخسر ما يحميه من وراءه!

والشُجاع لا يبخل بحياته ولا بماله فى مواجهة المخاطر، وهو مُستعد دائماً لبذلهِم متى كان ذلك فى خدمة هدفهِ الأسمى وهو درء الخَطَر وتكمن قيمة العقل هُنا فى تحديد الفعل المناسب الذى يدرء الخَطَر فى ضوء المُعطيات والظروف المُحيطة، ويخطئ الناس فى الحُكم على بعضهم البعض فى ما يتعلق بالشجاعة ويتهمون بعضهم بعضاً بالجُبن جزافاً بلا دليل، ذلك لأنهم لا يعلمون دائماً الظروف المُحيطة بمن ظنوا فيه الجُبن.

والشجاع يفعل ما ينفع الناس لا ما يُعجبهم ذلك أن إرضاء الناس غاية لا تُدرك ثم إنها تندرج تحت بند الرياء ولا يقبلها ربُنا سبحانه وتعالى فى ميزان حسنات العبد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى معنى الحديث إن أول من يدخل النار يوم القيامة رجُل قاتل وإسُتشهد فقط ليقال أنه جرئ فلا يقبل الله منه ما عَمِل ويُلقى فى جهنم مذموماً.

رفقاً فى الحُكم على أولياء الأمور والقادة وأصحاب القرار فنَحُن لا نعلم ما أحاط بهم يومَ أن إتخذوا قرارهم وقد يكون ما نراه نحنُ جُبناً هو قمة الشجاعة فى ظل الظروف التى أحاطت بهم.

WhatsApp
Telegram