اعلان

ملح الارض ( 1 ) على قهوة حميدو .. مثقفون حقيقيون من لحم ودم ومشاعر !

الفنان الشاب شادي سعيد
الفنان الشاب شادي سعيد

على ناصية حارة لا يزيد عرضها عن 5 أمتار أو أقل وعلى مقهى حميدو فاجأتني بوستر أقل ما يوصف عنه بأنه يعبر عن ذوق فني رفيع وكان البوستر يعلن عن مسرحية وأول ما لفت نظري للبوستر اسم استاذتي الراحلة الدكتورة نهادة صليحة، عليها رحمة الله، التي تركت في جيلنا أثرا انسانيا وتعليميا لا ينسى لكل جيلي الذي أسعده الحظ وتتلمذ على يدها . وعندما سألت صاحب المقهى عن صاحب البوستر فوجئت بالمفاجأة الثانية وهى أن على هذه المقهى الصغيرة الجميلة بشعبيتها وبأهلها الطيبين يوجد شباب واعدون يؤسسون حركة فنية شبابية ولا تمنعهم قلة الإمكانيات أو غيابهم عن الاضواء أو غياب الاضواء عنهم من الاستمرار في حلمهم وفي حركتهم الفنية التي نقلوها للأحياء الشعبية والمقاهي عوضا عن المسارح ووسائل الإعلام ومنصات العروض التي أصبحت حكرا على شلل لا تخرج عنها أبدا .

شادي سعيد مثقف حقيقي من لحم ودم

وحالفني الحظ بأن التقي بأحد الفنانين الشباب الذي يكتبون تجربة جديدة من لحم ودم ويحفرون على الصخر من أجل الوصول للجمهور في ظروف يمكن وصفها بأنها أصعب الظروف التي يمر بها الفن المصري بكافة فروعه وليس المسرح والسينما فقط، هو السيناريست الشاب شادي سعيد الذي تعرفت منه على أعماله وتجاربه السينمائية التي يخطو بها أولى خطواته ومنها سيناريو فيلم (النرويجي ) الذي تدور أحداثه في سياق استثنائي حول شاب صغير يشاهد فيلما يسمي النرويجي عبر جهاز لاب توب، وعندما تحدث كارثة يتعطل اللاب توب لينتهي ولا يعود للعمل إلا بعد حدوث الكارثة لينتهي الفيلم بموت والدة الشاب الصغير، وسيناريو الفيلم ( الامبراطور الأعرج ) وتدور قصته حول بطل الفيلم حسن الذي يحلم بشخص مجهول ويظل بطل الفيلم يبحث عن الشخص المجهول الذي يتكرر ظهوره في حلمه لكن لن يصل له أبدا، وسيناريو فيلم (الكرسي الآلي ) وتدور أحداثه حول نقطة صغير في منتصف القطر يتعجب منها الركاب وتتحرك النقطة مع النظر يمين ويسار ومع التعبير الحركي لها تمتد الأحداث والحوار بين ركاب القطار.

مسرح القهوة و تجارب الرواد على المقاهي الشعبية

الحقيقة أن قهوة حميدو بمن يجلس عليها من فنانين تعيد للأذهان التجارب التي قام بها الرواد الاوائل للحركة الفنية المصرية سواء المسرحية أو السينمائية الذين انطلقوا من المقاهي الشعبية في أحياء مصر بداية القرن الماضي، والمقاهي الشعبية مكانة خاصة في حياة المصريين وفكرة مسرح القهوة ظهرت في مصر خلال منتصف القرن الماضي وكانت هى النموذج المصري الخالص من فكرة مسرح «الشارع» والتي ظهرت في منتصف القرن العشرين في أمريكا وفرنسا على وجه التحديد وكانت مرتبطة بحركة اليسار السياسي الذي انتعش في الفترة التي سبقت وتلت الحرب العالمية الثانية مباشرة.

ففي عام (1969) ظهرت تجربة فريدة وجديدة هي «مسرح القهوة» على يد المؤلف المسرحي ناجي جورج، والذي اختار لعرضه «مقهى المختلط»، كما شهد مقهى “استرا” بمنطقة “باب اللوق” تجربة مماثلة وإن كانت أكثر تنوعا، وكان من بين نجوم هذه التجارب الذين كان أول ظهور لهم على المقاهي فاروق فلوكس، وعزيزة راشد، وسيد عبد الكريم ، ومجدي وهبة، ويونس شلبي ومحمد نوح وسامح الصريطي ولطفي لبيب ومحمود الجندي .

مثقفون حقيقيون في مواجهة المثقفين المرتزقة

في كل الأحوال فإن شادي سعيد ورفاقه في قهوة حميدو، بل وصاحب المقهى أيضا الذي يشجعهم واعرفهم شخصيا وظهر لي من خلال الدقائق التي شرفت خلالها بلقائهم علاقته الطبية بهم هم من المثقفين العضويين الذين يرتبطون مباشرة مع مجتمعهم المحلي ويؤثرون فيه مباشرة بدون التعالي أو الزيف الذي يتعامل به المثقفون المرتزقة، وهم صنف أخر من الذين يزعمون أنهم مثقفون وقادة رأى أو فكر ولكنهم في الحقيقة يتعالون على شعبهم بل ويحتقرون كل ما هو ينتمي للشعب الذي يزعمون الحديث نيابة عنه ولا يتورعون في جلساتهم الخاصة عن كيل السباب والتحقير للناس العاديين الذين يعيشون وسطهم الذي يعيشون فيه و ينتهزون ويتهمون المجتمع بكل نقيصة مع أنهم هم المسؤولون عن هذه الحالة المزرية اجتماعيا وثقافيا التي وصل لها المجتمع المصري، ويجهلون أو يتعمدون تجاهل حقيقة أن المثقف الحقيقي هو المثقف الذي يؤثر في جمهوره المحلي وفي الناس الذين يعيش وسطهم وليس المتعلم المتعالي المغرور الذي لا يعرف من الثقافة إلا أن يسب شعبه ويتهم مواطنيه بالجهل والغباء وهو في حقيقة الأمر وهو وأمثاله من المثقفين المرتزقة نموذجا للفشل والجهل والغباء !

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً