ads
ads

أكتب لكم عن ياسمين : الفنانة الصغيرة ابنة كوم الدكة الموهبة القادمة من حي سيد درويش

محمد مختار

محمد مختار
محمد مختار

في حي كوم الدكة العتيق، حيث لا تزال حكايات الموسيقار العظيم سيد درويش تتردد بين الأزقة الضيقة والمباني القديمة، خرجت للعالم فتاة شابة تحمل في عروقها نفس الحنين والإحساس الموسيقي، لكن بطريقتها الخاصة، صوتها يحمل نبرة الحاضر، وروحها تنبض بالحياة والفن: ياسمين جمال محمود، أو كما صار الجميع يناديها: 'جيسي'.

جيسي ليست مجرد اسم على لافتة، ولا مجرد وجه يزين صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بل هي حالة فنية كاملة، مكتملة، رغم أنها بالكاد بلغت الثامنة عشرة من عمرها. خلف هذا العمر الصغير قصة كبيرة، قصة حي كوم الدكة الذي علّمها كيف تكون الحياة صعبة ومليئة بالتحديات، وكيف يمكن للفن أن يكون منفذاً وملاذا، وكيف يمكن للشجاعة والإرادة أن تفتح الأبواب المغلقة.

ياسمينياسمين

ولدت ياسمين في أسرة متوسطة، لكنها غنية بالحب والدعم. من هنا، في هذا الحي الذي خرج منه سيد درويش، تعلّمت كيف يحيا الإنسان بين التحديات اليومية وكيف يصنع من صوته وموهبته رسالة تصل إلى الناس، رسالة تقول: 'الفن ليس رفاهية، إنه حياة'. منذ صغرها، كانت ياسمين تنغمس في الموسيقى والمسرح، تغني للآخرين كما تغني لنفسها، وتكتب لنفسها كما تكتب للجمهور، حتى صار واضحًا لكل من يعرفها أن لديها شيئًا خاصًا، شيئًا لم يكن موجودًا في الكثيرين ممن يكبرونها سنًا.

على الرغم من صغر سنها، إلا أن ياسمين لم تكتف بالمشاركة السطحية في عالم الفن، بل دخلت إلى قلب العملية الإنتاجية والمسرحية، حيث أصبحت أصغر مساعد مخرج ومدير مالي في مشروع مسرحي محترف. هذه ليست مجرد وظيفة، بل شهادة على فهمها العميق لكل تفاصيل العمل الفني، من الميزانية إلى النص، ومن إدارة الوقت إلى الإبداع على خشبة المسرح. إنها ترى الفن كما يراه المؤلف والمخرج معًا، بعيون متعددة، وفكر متكامل، وهو ما يجعلها استثنائية بحق.

في الوقت نفسه، لم تتوقف جيسي عند حدود المسرح، فهي تغني أيضًا، صوتها يحمل الرقة والجرأة معًا، ينقل المشاعر كما لو كانت شخصياتها المسرحية تتحدث من قلبها مباشرة إلى قلب المستمع. كتاباتها المسرحية أيضًا تكشف عن حساسية عالية ووعي اجتماعي متميز؛ فهي ترى الشخصيات لا كأقنعة تؤدى، بل ككائنات حية تتنفس داخل النص، تحمل آمالها ومخاوفها وأحلامها الصغيرة والكبيرة. هذا المزج بين الغناء والتمثيل والكتابة يجعلها حالة نادرة، حتى بالنسبة للفنانين الأكبر سنًا.

لكن ما يميز جيسي حقًا هو إدراكها لأهمية التعليم والواقع المعيشي. فهي في العام الثالث بكلية التمريض في مستشفى العلمين النموذجي، متوازنة بين حبها للفن والتزامها العلمي، مدركة أن الحياة تحتاج إلى جذر ثابت حتى لو كان الجذر هو العلم والمعرفة. كثيرون في سنها يظنون أن الفن هو كل شيء، لكن ياسمين اختارت أن تبني حياتها على أساس متين، تعلمًا وتجربة، مع الاحتفاظ دائمًا بلمسة الفن التي تميزها عن الآخرين.

الحي الذي خرجت منه، كوم الدكة، يبدو وكأنه يراقبها بفخر، من الأزقة التي شهدت خطواتها الأولى، إلى الأماكن التي غنت فيها لأول مرة، وحتى الساحات الصغيرة التي مثلت فيها، كل زاوية فيه تحمل شيئًا من روحها. في هذا الحي، تعلمت جيسي معنى الصبر، معنى المثابرة، معنى أن تُقدّر الفرصة حين تأتي وأن تصنع من نفسها علامة مميزة.

جيسي اليوم ليست مجرد فتاة شابة تحلم بالمستقبل، بل هي نموذج حي للشجاعة والطموح، وهي مثال لكل من يظن أن العمر الصغير يقيد القدرة على التغيير أو التأثير. هي تثبت أن الإرادة والشغف والفن يمكن أن يصنعوا الفارق، وأن الأصغر سناً يمكن أن يكون الأكثر تأثيرًا إذا امتلك الجرأة والرؤية والالتزام.

لقد أثبتت جيسي أن الفن لا يعرف حدودًا عمرية، وأن الشخص الصغير في السن قد يكون كبيرًا في الموهبة والفكر والقدرة على القيادة. هي تجمع بين صوت الطفولة الذي ما زال يحتفظ بنقاوته، وعقلية ناضجة تفكر في كل التفاصيل، بين أحلام المراهقة وحكمة التجربة العملية، بين الموسيقى والمسرح، بين الدراسة والعمل، كل ذلك في شخصية واحدة تجعل من اسمها علامة فارقة على خريطة الفن الجديد في مصر.

ومع كل ذلك، يظل سر جيسي الحقيقي في قلبها: حبها للفن وحبها للحياة، ورفضها أن تكون نسخة من أحد، أو تقليدًا لما سبق. هي ليست فقط الوريثة الرمزية لحي كوم الدكة وسيد درويش، بل هي وريثة روح الفن في كل زمان، تحمل على كتفيها آمال الشباب، وتثبت أن المستقبل للفنانين الذين يجرؤون على أن يكونوا أنفسهم.

في كل مرة تطل فيها جيسي على خشبة المسرح، أو تسجل أغنية جديدة، أو تكتب نصًا مسرحيًا، تشعر وكأن الحي كله يصفق لها، وكأن صدى سيد درويش يتردد معها في أزقة كوم الدكة. وهكذا، تستمر قصة ياسمين جمال محمود، 'جيسي'، الفتاة التي لم تعرف حدودًا، والتي اختارت أن تكون متعددة الألوان، متعددة الأصوات، متعددة المواهب، لكنها دائمًا واحدة في جوهرها: فنانة، شابة، حرة، ومؤمنة بأن الفن هو لغة الحياة الحقيقية.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً