يقدّم مسلسل «ورد وشوكولاتة» قصة تبدو في بدايتها رقيقة ومليئة بالمشاعر، لكنها سرعان ما تكشف عن نموذج للعلاقات السامة التي يقع فيها كثيرون دون وعي. فالمسلسل — الذي أثار تفاعلًا واسعًا منذ عرضه — لا يقدّم مجرد حكاية رومانسية، بل يفتح بابًا مهمًا للحديث عن التعلق المرضي، و«إدمان العلاقة»، وكيف يفقد الإنسان نفسه تحت وهم الحب.
عندما يتقاطع الدرامي مع الواقعي
التطورات التي نشاهدها في العمل ليست مجرد خيال، بل تعكس سيناريوهات نراها كل يوم في الحياة الحقيقية: طرف يتعامل بالعاطفة المفرطة، والطرف الآخر يمارس الاستنزاف النفسي بطرق مباشرة أو غير مباشرة.
تبدأ العلاقة بلحظات دفء تشبه الورد والشوكولاتة، ثم تتحول تدريجيًا إلى مساحة ممتلئة بالقلق، الخضوع، وفقدان الحدود.
هذا النوع من العلاقات يُسمّى نفسيًا:
التعلّق غير الآمن أو الإدمان العاطفي — علاقة لا تُشبه الحب، بل تُشبه التعلق بالحياة نفسها عن طريق شخص واحد.
كيف يبدأ التعلّق المرضي؟
في العادة لا يبدأ الأمر بعاصفة؛ بل بخيط صغير من الاحتياج. يشعر أحد الطرفين بأن شريكه هو مصدر الأمان الوحيد، فيتعلق به بصورة زائدة عن الحد. ومع الوقت يتراجع احترام الذات، وتبدأ محاولات إرضاء الطرف الآخر بأي شكل.
يتحول الحب إلى اعتماد نفسي، ثم يتحول الاعتماد إلى إدمان.
وفي هذه المرحلة يصبح الانفصال شبه مستحيل… ليس لأن العلاقة جيدة، بل لأن الشخص فقد قدرته على تخيل الحياة من دون الآخر.
الشخصيات المؤذية… وصناعة الفخ
غالبًا ما تقف الشخصيات النرجسية أو المؤذية في الطرف المقابل من العلاقة.
تجيد هذه الشخصيات استخدام تكتيك «الجذب والانسحاب»:
• يمنحون اهتمامًا كبيرًا فجأة،
• ثم يختفون بالكامل،
• ثم يعودون بابتسامة وهدايا وكلمات محبة.
هذا الأسلوب يخلق نوعًا من “المكافآت المتقطعة” التي تجعل الدماغ متعلّقًا بالشريك بشكل يشبه السلوك الإدماني. هو نفس المبدأ الذي تعتمد عليه الألعاب الإلكترونية، وبعض المواد المخدّرة.
ومن هنا يبدأ الفخ: الطرف المتعلّق يقتنع أن لحظات اللطف دليل حب… وينسى كل لحظات الإهمال والإيذاء.
علامات تقول إن العلاقة سامة… مهما كان شكلها جميلًا
هناك مؤشرات واضحة لا يجب تجاهلها:
• شعور دائم بأنك «مش هتعرف تعيش من غيره».
• محاولات مستمرة لإرضائه مهما كان الثمن.
• تقبّل الإهانة أو التجاهل خوفًا من الفقد.
• فقدان الاهتمام بالعمل أو الأصدقاء أو الهوايات.
• شعور دائم بالقلق والانتظار والترقّب.
• اعتذارات متكررة عن أخطاء لم ترتكبها.
إذا كانت هذه العلامات مألوفة، فهذه ليست علاقة… بل فقدان تدريجي للنفس.
كيف تحمي نفسك من الدخول في علاقة شبيهة؟
الحماية تبدأ بالوعي، ثم بوضع حدود واضحة:
1. راقب سلوك الطرف الآخر وليس كلماته.
الوعود لا تكفي… الأفعال هي الفيصل.
2. احمي كرامتك قبل مشاعرك.
أي علاقة تنتزع احترامك لنفسك هي علاقة غير صالحة مهما بدا شكلها جميلًا.
3. احتفظي بحياتك خارج العلاقة.
أصدقاء، عمل، أهداف… كل ده بيحميك من الاعتماد الكامل على شخص واحد.
4. اكتبي قائمة بالخطوط الحمراء.
وحددي سلوكًا واحدًا لو حصل… تكون النهاية بدون تردد.
5. اطلبي دعمًا نفسيًا لو شعرتِ إن العلاقة بتسحبك.
المساعدة مش ضعف… بالعكس، أول خطوة للخروج من الفخ.
رسالة المسلسل للمجتمع
«ورد وشوكولاتة» ليس مجرد قصة درامية جذابة، بل رسالة اجتماعية تتجاوز حدود الشاشة.
العمل يذكّرنا أن الحب الحقيقي لا يطلب منّا التضحية بكرامتنا، ولا يجعلنا أسرى للعاطفة، ولا يربط حياتنا كلها بوجود شخص واحد.
في النهاية…
العلاقات الصحية تبني الإنسان، أما السامة فتسلبه ذاته.
ومهمتنا — كمشاهدين وكمجتمع — أن نميّز الفرق مبكرًا، ونختار ما يحفظ قلبنا وكرامتنا قبل أي شيء.