ads
ads

ماجي قطامش تكتب: كارثة سيدز الدولية بالسلام.. عندما يكون التعليم ميدانًا لخرق الأمان

ماجي قطامش
ماجي قطامش

هناك لحظات، مهما مرّ الزمن، تظل جرحًا مفتوحًا في الضمير العام. والواقعة التي شهدتها مدرسة سيدز الدولية – السلام واحدة من تلك اللحظات التي لا تُنسى. فبحسب التحقيقات، تعرّض خمسة أطفال — ثلاث فتيات وولدان — لاعتداءات ارتكبها أربعة موظفين داخل المدرسة، بينهم عمال وفرد أمن. الأخطر من ذلك، ما أكدته روايات من أن بعض الأطفال تم اقتيادهم إلى “غرفة مرعبة” داخل المدرسة، وأن تلك الاعتداءات لم تكن لحظة عابرة، بل استمرت لفترة وسط صمت ومساحات غير مراقبة.

هذه ليست مجرد “قضية اعتداء”.

هذه طعنة في قلب المجتمع، وفضيحة تربوية تهز كل من يقدّر قيمة الطفولة.

إنها جريمة كاملة ضد أطفال لا يملكون سلاحًا سوى البراءة، وضد قانون لم يطبق بعد ما يكفي ليحميهم.

أرشيفيةأرشيفية

أمهات هؤلاء الأطفال لم يقصّرن. قدّمن كل أشكال التوعية والحوار والرعاية، ومع ذلك وقع الأسوأ داخل المكان الذي كان ينبغي أن يكون الأكثر أمانًا. طفل في مرحلة KG لا يمتلك قدرة على حماية نفسه ولا لغة تعبّر عن خوفه. وهنا تكون مسؤولية المدرسة كاملة: رقابة دقيقة، شفافية، وانعدام تام لأي ثغرة يمكن أن تُستغل لإيذاء طفل. لكن ما تكشفه الواقعة يؤكد أن الخلل الحقيقي كان داخل المنظومة نفسها، وليس فى الطفل أو أهله.

قبل أن نعلّم أبناءنا الحروف، يجب أن نعلّمهم الحماية. هناك دروس أهم من ABC: استخدام الحمام بمفردهم، معرفة أن أجسادهم “ملك لهم”، وأن رفض اللمس حق، وأن أي شعور بعدم الارتياح يجب التعبير عنه فورًا. ليس من الطبيعي أن يعتمد طفل على دادة أو عامل، ولا يجب أن يدخل أحد إلى خصوصيته تحت أي ظرف. وجود غرف منعزلة، كورنرز مغلقة أو مناطق بعيدة عن عين المدرسة ليست “تفاصيل”… بل بيئات جاهزة للجريمة. مدرسة تحتوي على غرفة بلا رقابة هي مدرسة غير آمنة. وجود طفل مع عامل دقيقة أو نصف دقيقة أو حتى ثوانٍ… كافٍ لتغيير مصير حياة كاملة.

الموجع في هذه القضية ليس الجريمة فقط، بل استمرار حالة التشكيك التي ينتهجها البعض وكأن الواقعة “مبالغ فيها”. وهذا يعكس خللًا أكبر: منظومة تعليمية لا تزال غير مؤهلة بالكامل لفهم أن الطفل ليس مجرد “كائن صغير”، بل إنسان كامل الحقوق، وأن الخطر الحقيقي على الطفل قد لا يكون خارج المدرسة… بل بداخلها.

وهنا لا بد من مطالب واضحة وملحّة لضمان حماية حقيقية داخل المؤسسات التعليمية. من الضروري وجود تشريعات أكثر صرامة، وكاميرات مراقبة تغطي كل زاوية، ومنع اختلاط العمال بالأطفال داخل أوقات اليوم الدراسي، وتدريب إلزامي لكل فرد يتعامل مع الطفل، وإدراج مفاهيم حماية الطفل داخل مناهج إعداد المعلمين، إضافة إلى اتخاذ إجراءات فورية تجاه أي مدرسة يثبت تقصيرها أو تسترها. هذه ليست كماليات، بل قواعد أساسية للأمان.

إن العدالة في هذه القضية ليست رفاهية ولا مطلبًا خارج السياق. بل ضرورة لحماية مستقبل أطفال آخرين. وأطالب — بكل وضوح ومسؤولية — بـ أقصى عقوبة قانونية لكل من يثبت تورطه، سواء بالفعل المباشر أو بالإهمال أو بالتستر، حتى تكون العقوبة رسالة رادعة لكل من قد تسوّل له نفسه الاقتراب من براءة طفل.

هذه الفضيحة ليست شأنًا خاصًا بأسر الضحايا… إنها قضية وطن. نحن بحاجة إلى رفع وعي أولياء الأمور بأن “الدولي” وارتفاع المصروفات لا يعني بالضرورة الأمان، وإلى لجان رقابية من أولياء الأمور داخل المدارس، وإلى دعم نفسي عاجل ومستمر للأطفال الضحايا، وإلى ضغط مجتمعي وتشريعي يضمن حماية حقيقية لا شكلية.

ما جرى في مدرسة سيدز الدولية بالسلام ليس مجرد خبر عابر.

إنه نداء استيقاظ.

نداء لكل مسؤول في التعليم، ولكل أب وأم، ولكل من بيده سلطة أو كلمة أو قرار.

الأمان ليس رفاهية، الطفل ليس هامشًا، والسكوت ليس خيارًا.

الطفل خط أحمر… وخيانته خيانة لمستقبلنا قبل أن تكون خيانة لقلب أم وأب

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
غلق لجان التصويت بالمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب