اعلان

طارق متولي يكتب: حكايات من مصر القديمة (١)

طارق متولي
طارق متولي

ليس هناك شك أن مصر أصل الحضارة الإنسانية التى استقى منها العالم العلوم المختلفة والمعرفة، وللأمانة أيضا العراق، فالحضارة المصرية القديمة والحضارة البابلية فى العراق هما من أقدم الحضارات الإنسانية فى العالم.

وقد كان المصريون القدماء من أعظم المفكرين، فكروا أن هذا الكون وهذه الظواهر من حولهم من نهر يجرى ونبات وحيوانات لابد لها من إله يسيرها، وأنها لا تسير بنفسها ولا بالصدفة، ولكنهم كمعظم الديانات الوضعية القديمة نسبوا كل ظاهرة لإله معين ورمزوا له بالظاهرة نفسها كالشمس والنهر والخصوبة والحيوانات القوية والموت والحياة، حتى إن الآية الكريمة فى القرآن الكريم فى سورة يوسف فى السجن فى مصر، وكان هذا فى الغالب وقت احتلال الهكسوس لمصر أو العامو كما أطلق عليهم المصريون حينذاك بمعنى الوباء، يخاطب سيدنا يوسف عليه السلام صاحبيه فى السجن، حيث يقول المولى عز وجل "يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار" (39)، استنبط منها العلماء أن قدماء المصريين كانوا أصحاب ديانات سماوية ولكنهم أشركوا مع الله آلهة أخرى، لهذا دعاهم سيدنا يوسف عليه السلام إلى عبادة الله الواحد.

ثم جاء أحد ملوك الفراعنة فى أواخر عهد الأسرة الثامنة عشر ١٤٧٩- ١٤٥٨ ق.م، وهو إخناتون فدعا للتوحيد وعبادة إله واحد، وفى إحدى كتاباته قال "رب واحد أحد لا شريك له"، هكذا بالنص لكنه رمز له حسب تصوره آنذاك بقرص الشمس وسماه "آتون"، وقد واجهت دعوته صعوبات كبيرة، ورفض من كهنة معابد الأرباب الأخرى المتعددة، واعتبره أنصار دعوته نبيا وأعداء دعوته زنديقا ومارقا، وانتهت دعوته بوفاته فى سن مبكرة.

وبالمناسبة، فإن كلمة فرعون تطلق على الملك، وهى بمعنى صاحب القصر أو الباب العالى ولا تطلق على عموم المصريين القدماء.

خلاصة القول، إن الشعب المصرى كشعب كان مهيأ دينيا يتوق إلى معرفة الخالق والإيمان به وبقدرته، ومن هنا تلقف الديانات السماوية بدءا من اليهودية والمسيحية وصولا إلى الإسلام آخر الرسالات السماوية.

ولاحظوا أنهم لم يستجيبوا لأى ديانات أخرى وضعية تعرضوا لها فى علاقاتهم الخارجية والتجارية، ولا حتى أثناء فترات الاحتلال الخارجى، وأنا هنا أتحدث عن عموم المصريين القدماء.

وقد ظلت مصر على مر عصورها التاريخية الملاذ الآمن لشعوب كثيرة فرت إليها من الحروب والاضطرابات فى بلدانها ولا زالت.

ونحن عندما نقرأ التاريخ لا ينبغى لنا أن نأخذ منه إلا العبرة والمعرفة والأشياء الجيدة، لا نأخذ منه أسباب الخلاف والتفرقة.

وحتى نستطيع التقدم والعيش فى سلام علينا أن ننظر للتاريخ نظرة محايدة بدون تعصب، فنحن ننتمى أولا وأخيرا إلى هذا الحاضر الذى نعيشه، وهو الذى سنُسأل عنه أمام الأجيال القادمة، ولن نسأل مثلا عما فعله أجدادنا وما لم يفعلوه.

أعمالنا نحن هى التى سيتحدث عنها أبناؤنا وأحفادنا، وبكل صراحة نحن لا نستطيع ولا ينبغى لنا أن نعيش على أمجاد الماضى مثل أبناء الملوك الفراعنة وأبناء البشوات، لابد أن نصنع حضارتنا وأمجادنا وتاريخنا المشرف.

وهذا لا يكون إلا بإصلاح بيئتنا وإصلاح حاضرنا وإصلاح ما بيننا، فليس من المعقول أن نختلف ونتحارب على الماضى فى حين ينبغى علينا أن نتفق على المستقبل، والأقوام السابقة حسابها عند الله فهو أعلم بهم منا، أما بالنسبة لنا فيكفى أنهم أناروا لنا الطريق وخاضوا التجارب المختلفة بخيرها وشرها حتى وصل إلينا ما تعلمناه من التاريخ وما تجنبناه من شرور تعرضوا لها.

فى المقال القادم سنستعرض معكم قصة "العامو"، أصولهم وكيف غزوا مصر، وكيف قاومهم المصريون حتى أجلوهم عن البلاد بلا رجعة، ولنا فى التاريخ عبرة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
قيادي في حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والقبول بحل الدولتين